Partager sur :

معارك الهوية تنتظر علاقة فرنسا بالجالية المسلمة

شهد عام 2020 انزلاق فرنسا إلى نزاع جديد حول علاقتها بالأقلية المسلمة. والسؤال هو ما إذا كانت هذه المعركة ستنتهي بأي نوع من الحل.

وكانت تلك القضية مقلقة منذ فترة طويلة وتحمل بين طياتها ندوب تاريخ فرنسا، بما فيه الاستعمار والكفاح من أجل الاستقلال في دول شمال وغرب أفريقيا ذات الأغلبية المسلمة، ناهيك عن تشجيع الهجرة من تلك الدول لتوفير الأيدي العاملة في المصانع.

وأدى تراجع تلك الصناعات إلى أن يصبح العديد من أسر الطبقة العاملة من أصول مهاجرة عالقين في ضواحي قاتمة ذات مرافق متواضعة وآفاق سيئة. وكافح الشباب مع التمييز في سوق العمل وزادت ممارسات الشرطة القاسية والتمييزية من امتعاضهم في كثير من الأحيان.

وجعلت الهجمات الإرهابية ذات الصلة بالحرب الأهلية الجزائرية في تسعينات القرن الماضي، ووصول مد ديني متجدد بشكل واضح بالفعل في جميع أنحاء العالم الإسلامي إلى فرنسا، الجدل حول التمييز والهجرة والهوية الوطنية والعلمانية أكثر حساسية.

وربما يكون من المدهش أن تتم إثارة هذا الموضوع هذه المرة من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي انتقد بشدة، قبل انتخابه عام 2017، أولئك الذين قال إنهم يسيئون استخدام المبادئ العلمانية في البلاد في “محاربة الإسلام”.

لكن الزمن يتغير. ففي خطاب بارز ألقاه في أكتوبر في إحدى ضواحي باريس، أعلن ماكرون أنه يتعين على فرنسا محاربة “الانفصالية الإسلامية”، مع تجنب “فخ وصم جميع المسلمين”.

ويتضمن مشروع قانون جديد تدابير لمنع إلحاق الأطفال بالمدارس الدينية غير المعلنة ومنع الكيانات الدينية من الحصول على تمويل من مصادر خارجية مشبوهة أو وقوعها في أيدي متطرفين.

وتم إقناع مجلس معترف به رسميا للمنظمات الإسلامية بإنشاء برنامج تدريب للأئمة وإقرار قيامهم بمهمتهم.

وتركز خطة ماكرون على ما يراه محاولات من قبل الإسلامويين لبناء مجتمع “انفصالي” مواز يعتمد القيم الأصولية في المناطق الحضرية المضطربة التي يأتي منها العديد من السكان من أصول مهاجرة.

ويقول حكيم القروي، الذي يبدو أن أبحاثه في معهد مونتين، وهو مركز أبحاث مستقل، ألهمت بعض مقترحات ماكرون، إن هناك مشكلة حقيقية مع حوالي ربع المسلمين الفرنسيين والكثير منهم من الشباب “الذين يجعلون الإسلام هويتهم، في ظل عنصر سلطوي قوي للغاية”.

ويضيف القروي، في مقابلة عبر الهاتف مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): “تضم النزعة الانفصالية العنيفة ما بين 50 ألفا و100 ألف شخص، أما فكرة المسلمين أولا /وفرنسا لا تحبنا ويجب أن نؤكد على اختلافنا/، فإن عدد من يتبنوها يناهز المليون”.

ويقول إنه ليس الإسلام وحده الذي يشهد هذا التحول في التأكيد بقوة على الهويات الدينية، فيمكن رؤية الشيء نفسه بين الجالية اليهودية. كما تنتشر الجماعات المسيحية الإنجيلية بسرعة في المناطق الحضرية المضطربة.

لكن تاريخ “الإرهاب الإسلاموي” في البلاد، الذي أودى بحياة أكثر من 230 شخصا في سلسلة من الهجمات في 2015-2016، يعني أن ظهور ذلك التحول بين المسلمين أكثر حساسية بكثير.

ويشير الباحث مروان محمد، من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، أيضا إلى “أنماط للفصل” بين الأديان الأخرى-ولدى الشرائح الأكثر ثراء من السكان “الذين لا يريدون الاختلاط كثيرا ببقية المجتمع”.

لكنه أكثر تشككا في فكرة أن هذه الظاهرة تصل في معظم الحالات إلى أي نوع من “العداء لبقية المجتمع” بين المسلمين الفرنسيين، ويقول إن المتعاطفين مع الجهاديين هم “أقلية صغيرة للغاية” ومعزولون عموما عن الجالية المسلمة بشكلها الأوسع.

وقال لـ “د.ب.أ” عبر الهاتف: “نعلم أن المقدسات بالنسبة لأي مؤمن قوي مهمة للغاية بالطبع … ولا يعني هذا أنك ترفض قوانين الجمهورية أو ترفض المكونات الأخرى للمجتمع”.

وهناك سؤال يطرح نفسه هو سبب إثارة هذه القضايا في فرنسا، مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، بينما ترفض البلاد بشدة ما يتردد في وسائل الإعلام الأمريكية بأنها تتخذ نهجا قمعيا للإسلام كدين.

ويجادل كثيرون في فرنسا بأن نهج البلاد تجاه العلمانية يساء فهمه في الخارج، لكن القروي ومحمد لا يشيران كثيرا إلى شكل فرنسا العلماني، بقدر ما يشيران إلى نموذجها في الاندماج.

ويقول القروي إن هذا النموذج يتسم بـ “الانفتاح الكبير” مع مستوى مرتفع من الزيجات المختلطة.

ويضيف أنه أيضا “نموذج أكثر إلحاحا” منه في البلدان الناطقة بالإنجليزية أو ألمانيا، مشيرا إلى أن المجتمع الفرنسي يخبر المهاجرين بأنه “إذا كنت تريد أن تصبح فرنسيا مثل أي شخص آخر فعليك أن تتشبه بالفرنسيين”.

ويضيف القروي أن اقتراح ماكرون للتعامل مع الإسلام السياسي محسوب، ولا ينبغي أن يسبب الاستياء في حد ذاته.

ويتابع: “الخطر الأكبر هو الخطاب الذي يتماشى معهم”، مشيرا ليس إلى ماكرون، بل إلى العلمانيين المتشددين.

ويذهب محمد إلى أبعد من ذلك، قائلا إن المسلمين الفرنسيين، بالإضافة إلى معاناتهم من التمييز الحقيقي، لا يشعرون بالراحة بسبب انتشار “خطابات الرفض”، إلى درجة أن البعض منهم يشعر بأنهم سيكونون أفضل حالا في أماكن أخرى، سواء في بريطانيا أو أمريكا الشمالية أو الدول العربية.

ويضيف أن أجزاء من المجتمع الفرنسي لديها “مشكلة تاريخية مع الإسلام”، وأن البلاد لديها ثقافة “استيعابية” تنص على أنه من أجل أن تصبح مواطنا كاملا “عليك التخلص من هويتك وممارساتك الدينية أو من أي انتماء واضح للغاية، وأي ارتباط واضح للغاية بدين أو ثقافة”.

ويرى القروي أنه بينما من المهم للإسلام الفرنسي “أن يكون لديه منظمة تعمل بشكل أفضل وأكثر شفافية، ويساعد هذا على الاندماج”، فإن إعادة هيكلة الهيئات الدينية لن تضع نهاية للجهاديين.

ويقول إنه يجب مواجهتهم بالعمل على المستوى العملي بشأن التأثيرات الأيديولوجية والدينية.

لكن إحدى الحلقات بعد وقت قصير من خطاب ماكرون أظهرت مدى صعوبة هذه القضية. واتهمت جماعة ناشطة تسمى “التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا” أن الخطاب كان “مصدر إلهام واضح للتطرف” وأنه “يدعو إلى التشكيك في مبادئ فرنسا الديمقراطية والحريات الأساسية”.

وبعد أسابيع، كانت تلك الجماعة من بين جماعات عدة تم إنهاء نشاطها في حملة حكومية عقب مقتل معلم استخدم رسوما للنبي محمد في حصة دراسية حول حرية التعبير.

واتُهمت تلك الجماعة بارتكاب سلسلة من الأعمال الخاطئة، بما في ذلك صلاتها بالإسلاميين المتطرفين وإثارة الكراهية من خلال تصوير إجراءات مكافحة الإرهاب السابقة على أنها معادية للإسلام-وهو الأمر الذي رفضته كله.

وأشاد العلمانيون المتشددون بهذه الخطوة، لكن شجبتها بعض الجماعات الحقوقية في الداخل والخارج، ووصفتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” بأنها “جزء من حملة أوسع على الحريات” ردا على مقتل المعلم.

Arabe
Partager sur :