Partager sur :

مصطفى بوكرن يكتب: التطبيع خيانة

إذا ابْتليت بالتطبيع فاستتر، وإياك أن تجهر به، فإنك ستضيع كنزا ثمينا، على إعلام التشهير. نحن شعب نحب السرية، ونمارس عادات سرية، كما لو كنا مجندين من طرف الاستخبارات الداخلية. نخرج في منتصف الليل بهدوء، ونلتفت يمينا ويسارا، نضع الأزبال أمام باب جارنا، وفي الصباح ندعم حملة نظافة الشوارع، على الفيسبوك.

 نتناقض باستمرار، ونشعر بطمأنينة عادل المليودي، ونصر على قول الحقيقة في دقيقة، دون أن يرف لنا جفن. إننا نحب الستر، ولا نكره أفعالنا الشيطانية. ومن هتك حجاب الستر، يحظى بملايين المتابعات، لأنه مرآتنا في السر.

أُمٌّ تعض بنتها من أذنها، وأب يربط ابنه بحبل في سارية المنزل، وأخ أسقط شقيقه من أعلى السلم، وأخت تقتلع شعر أختها من منابته؛ وحين ينتشر فيديو الأم، التي تهدد بنتها، بِكَيِّ يدها، يتحول هؤلاء المجرمون في الخفاء، إلى دعاة سلام في العلن.

 لا مشكلة لدينا مع الفساد، بشرط أن يظل تحت الطاولة، وكل الخوف أن يظهر فوق الطاولة، لأننا نخاف من عدوانية الفساد.

قد يرى المراقب الغش، في الامتحانات، لكنه يغض بصره، كما لو أنه رأى امرأة فاتنة.

 والحقيقة، إنه يخاف من إسرائيل وأمريكا وروسيا والصين، لأنها ستقذفه بقنبلة نووية، حين يغادر المؤسسة، بل إن المسكين يخاف من مراهق تعس، سيقذفه بكلام فاحش.

نرى لصا في الحافلة على وجهه خطا يشبه مؤشر البورصة، يفحص جيوب الركاب، ونتذكر كل عبارات التنديد، التي اعتادها الأمين العام للأمم المتحدة، كلما قذفت إسرائيل غزة بالصواريخ، ويا ليتنا، اقتدينا به، بل نلتزم صمت الأنظمة العربية المتحالفة استراتيجيا مع إسرائيل.

 فلماذا الخوف حلال علينا، حرام على دولتنا؟!

لا نريد دولتنا أن تفضح نفسها، بل أن تتستر على فضيحتها، لكي لا يتشفى فينا فيصل القاسم، الذي أصبح يحب أخبار المغرب كثيرا، وليظل محمد المختار الشنقيطي يدافع عن الصحراء المغربية، ويطل علينا من محاضرات شبيبة البيجيدي.

 تطبيع دولتنا مع إسرائيل قديم، هاج قلقنا، لأنها عادت إليه في العلن.

 نحن شعب، نحب أن نرى دولتنا مثل امرأة، تشبه نبيلة منيب، تواجه الرأسمالية، وتتفطن لمؤامرة كورونا. نريد أن تكون دولتنا مثل قصيدة مظفر النواب، التي تبدأ: “فلسطين عروس عربوتكم”.

 نريد أن تكون دولتنا مثل ألبوم “أطياف الاستشهاد” لفرقة الوعد اللبنانية.

 نريدها أن تكون نسخة من المناضل المغربي اليهودي أسيدون، تكشف مؤامرات التطبيع. لكن دولتنا تخيب ظننا، إنها تشبه اللقطة الأخيرة من مسلسل Game of Thrones. تلك هي حقيقة الدولة.

دولتنا فضحت نفسها بخبر واحد، تخيلوا لو أعلنت الدولة عن كل أسرارها في لايف على الأنستغرام، فظهرت عارية، بملابسها الداخلية فقط، لحطمت رقم المشاهدات على مدار كل الأزمنة.

 لكن دولتنا، ليست عاطلة عن العمل، لتطل على المراهقين، فيمارسون عادتهم العلنية مع أنفسهم.

دولتنا، لا تريد أن تفتن المواطنين، بالكشف عن كل أسرارها، لتنافس عبد الحق الخراز، على الصعود إلى الطوندونس.

نسمع كثيرا، هذا القول: نريد الوصول إلى الحقيقة. هناك حقائق لا تريد الوصول إلينا، رحمة بعقولنا، لكي لا نجن، فنحطم حلم وزير الصحة السابق الحسين الوردي، الذي أغلق “بويا عمر” وإلى الأبد.

 لو كنا عقلاء، لأرسلنا إلى الدولة رسائل شكر، لأنها تخفي عنا الكثير من الحقائق، والتي لو كشفتها، لأصبحت مداخيل قنواتنا الإلكترونية بمئات الملايين، والتي تجاهد هذه الأيام، لتقدم نقلا مباشرا، من داخل قبر المرحوم صلاح الدين الغماري.

اتركوا دولتنا، تخبرنا بما تيسر من الحقائق. تخيلوا لو أنها أقسمت بالله، ألا تكشف سرا، مقتدية بالمثل المغربي الدارج: “يا لمعاود سرك، يا لمعاير بيه”. اسمعوا أسرارها، فهي مثل أسراركم. ولا تشهروا بها، فإن التشهير مدان أخلاقيا، إلا إذا تربيتم على أخلاق القناة الإلكترونية المعلومة. لو حفظتم أسرارها، ستبوح لكم بالكثير، وستتذكرون برنامج ماريو الشهير. قد تعبرون عن غضبكم، لكنكم ستدمنون برنامجها، كما أدمنتم برنامجه.

هل حقا، أنتم ضد التطبيع أم أنكم لا تبالون به إذا كان في السر، وتصابون بالهستيريا إذا كان في العلن؟ الأصل أننا ضد كل تصرف فاحش، أكان في السر أم في العلن. ولو كنا كذلك، فلنراجع أفعالنا، التي يستحيي منها إبليس في الخفاء، لأنه يرانا. التطبيع خيانة.

Arabe
Partager sur :