FR AR
شارك على :

5 أكتوبر، اليوم العالمي للمدرس... ماذا سأهديك في عيدك الأممي؟

إبراهيم أونبارك

أيها المعلم، أيتها المعلمة، يا من قالوا عنك "مربي الأجيال"، وأفرغوا محتوى الجملة من المعنى مثلما تُفرِغُ يومك المكدَّس بالتعب، وأنت تنثر ا ما تبقى من ضجيج النهار بمجرد خروجك من فصلك الدراسي،  منهكا، مدمرا،  وأنت لا تجد لذة إلا في أن تقسوا على نفسك. أيها السيد المتربع على عرش التعلم في زمن الجهل، جهل قيمتك، جهل مكانتك، جهل مجهودك الذي يبذل  كل صباح ومساء، 

ماذا سأهديك في عيدك الأممي؟ وأنا أتجرع مرارة زيارة بلدان حيث تُقَدَّمُ لك تحية جندي الوطن، ولا يقبلون أن ينتظر المدرِّس في طوابير بغرض قضاء شأن إداري، فالأولوية لك، لأنهم يعلمون أن كل تأخر عن عملك، هو إضرار بأبنائهم، وبالتالي الحاق تأخر محتوم بالوطن بأكمله، في طريهم، لك الأولوية في المرور، فأنت وسيارة الإسعاف سيان، كلاكما – في فهمهم طبعا - يسعف الجروح، يعتق الرقاب، يقي الأرواح، بل أنت في نظرهم أهم وأعلى، فلولاك لما وجدوا هناك  في المستشفى من سيسعف مرضاهم. 

ماذا سأهديك/ كِ في عيدك الأممي، يا سيد الرجال وسيدة النساء، هل أهديك وزرة من حديد وفولاذ، تقيك صدمات أباء وأولياء أمور لا يعرفون فيك، إلا ذاك الذي من واجبه أن يحرس أبناءهم المتشبعون بشعارات الرفع من كل شيء، إلا من قيمة من يَسقط وينهض من أجل أن ينتشلهم من جهل الأيام ونقص في تبصر الأمور؟

ماذا سأهديك في عيدك الأممي، أيها السيد الجالس على صمت المعاناة التي حملتها رياح التجهيل والتبخيس من كل معرفة وثقافة، على حساب الغنى السريع والتعطش للثروة بلا قيد ولا شرط، وأنت تنحت في حجر السنين الطويلة، علك تجد بين تلاميذك من يلتقط الرسالة في ظلام نضالك اليومي، وأحيانا، لا مجيب؟ فتصيبك خيبة آمال تعيدك تائها خلف القاعة لتجدد أنفاسك وأنت تقول وقرارة نفسك: لابد أن أنجح، لأن الفشل يسكن خلف الجدران، والجهل والتهميش والهدر المدرسي يوجد حيث أغيب، فتتقدم مرة أخرى مصمما على شق طريق التحدي من جديد.

ماذا سأهديك في عيدك الأممي، هل يكفيك أن تكون مجندا  بحبرك الذي يجف بين حين وحين، وأنت تتذكر غبار الطباشير، وتحمد الله على "التحولات الكبرى" التي غيرت طبشورك الأبيض بسبورة قلَّ صدى صوتها على طول حجرة تهديك حر الصيف  وصقيع الشتاء، وأنت تؤمن بأن القدر لا يحتمل دائما أن يحاورك مثلما تنتظر أن يحاورك كل من قدمت لهم خدمة بناء الوطن بلا تردد ولا تكاسل ولا انتظار لمقابل يليق بتعبك الذي سيرافقك إلى مثواك الأخير،  كما لن يحاورك البتة من كلف بختم  ملفك المطلبي بخاتم " إلى حين".

 ماذا سأهديك ، آقصيدة  رثاء على  زمن الحنين إلى معلم  تتصدّع له البيوت وتخيف(حيث كان الخوف ممزوجا بالتربية وليس بالترهيب) به الأمهات أطفالهم إذا تمردوا عن قوانين احترام الكبير والصغير؟ أأهديك وردة أقطفها من زمن الشهامة، حيث كنت وحدك منبع  المعرفة ووحدك من يفك طلاسم الأمية في دروب الحي، ومصدر نور القرى، وكانت مدرستك مصدر إشعاع لوطن تواق إلى أن يقول في صيحة واحدة: قف للمعلم وفّيه التبجيلا. 

سأقول لك اليوم: قف شامخا ولا تتردد في الاستمرار  في أداء رسالتك النبيلة ولا تكثرت بمن عشقوا النيل من سمعتك ولا الصد لمجهودك ولا التمرد على سموك، فهم يعلمون جميعا في صمتهم وفي جهرهم، في غيابك وحضورك، أنك المعلم الذي لولاه لما تمكنوا من الرقي إلى مستوى الإنسان...كل عيد وأنت بألف خير.

Partager sur :