
رشدي بوبكر - فاعل مدني - مقدمة- تُعد الأحزاب السياسية إحدى الركائز الأساسية لأي نظام ديمقراطي، إذ تضطلع بوظائف محورية في تأطير المواطنين، وتكوين النخب، وضمان المشاركة في تدبير الشأن العام. غير أن الواقع السياسي المغربي يكشف عن أزمة بنيوية مستمرة تعانيها الأحزاب، سواء داخل الائتلاف الحكومي أو في المعارضة، وهي أزمة تتجاوز حدود الأداء الانتخابي لتشمل البنية التنظيمية، وطبيعة التفاعل مع المجتمع، ومدى القدرة على إنتاج بدائل سياسية حقيقية.
يهدف هذا المقال إلى تحليل مظاهر ضعف الأحزاب المغربية، خاصة تلك المشاركة في الائتلاف الحكومي، والوقوف عند انعكاساتها على المشهد السياسي والمجتمعي، مع اقتراح بعض المداخل الممكنة لإصلاح هذا الوضع.
أولاً: ضعف البنية التنظيمية وتأطير النخب.
تُعاني الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي الحالي من ضعفٍ هيكلي واضح، يتجلى في غياب التأطير الفعّال والتكوين السياسي المنهجي للأطر، ولا سيما فئة الشباب.
ففي غياب مراكز متخصصة للتكوين الحزبي، تعتمد هذه التنظيمات على منطقٍ انتقائي يفضّل استقطاب الشخصيات ذات النفوذ الاجتماعي أو الاقتصادي، بدل الاستثمار في المناضلين وتأهيلهم لتحمّل المسؤولية.
هذا الواقع أدى إلى هشاشة القواعد الحزبية، وغياب امتداد اجتماعي فعلي يجعل الأحزاب في كل استحقاق انتخابي أمام تحدي الحشد اللحظي بدل الارتكاز على قاعدة صلبة ودائمة.
ولا يقتصر هذا الخلل على أحزاب الحكومة فحسب، بل يشمل مجمل الحقل الحزبي المغربي، مما يُظهر أن الأزمة ذات طابعٍ بنيويٍّ يتصل بطبيعة الثقافة السياسية السائدة وآليات إنتاج النخب الحزبية في البلاد.
ثانياً: غياب الانسجام والمنافسة غير الشريفة داخل العمل الحكومي
يُضاف إلى ذلك معطى آخر أكثر تعقيداً، يتمثل في المنافسة غير الشريفة بين مكونات الائتلاف الحكومي، إذ يسعى كل حزب إلى جرّ العمل الحكومي نحو تحقيق مصالحه الحزبية الضيقة، على حساب المصلحة العامة.
هذا السلوك يُضعف الانسجام داخل الحكومة ويؤدي إلى تشتت الجهود وإرباك الأداء العمومي، مما يرسّخ لدى المواطن صورة سلبية عن الفاعلين السياسيين ويقوّض الثقة في المؤسسات التمثيلية.
ثالثاً: انعكاسات الأزمة على المشاركة السياسية
إن تراكم مظاهر الضعف التنظيمي والتنافس المصلحي ينعكس مباشرة على علاقة المواطن بالسياسة، حيث يتفاقم العزوف عن المشاركة السياسية وتزداد الفجوة بين المواطن والمؤسسات الحزبية.
فقد أضحت السياسة، في نظر فئة واسعة من المجتمع، مجالاً مغلقاً تتحكم فيه المصالح الشخصية، ما أضعف الإيمان بجدوى الانخراط والمشاركة في العملية الديمقراطية.
ومع ذلك، يظل المجتمع المدني فاعلاً أساسياً لتعويض هذا النقص، من خلال ممارسته لأدواره الدستورية في التأطير والمراقبة والدفاع عن المصالح العامة، لاسيما في المجالات الاجتماعية والتنموية التي تهم حياة المواطن اليومية.
رابعاً: نحو ترشيد المشهد الحزبي وإعادة بناء الثقة
تستدعي هذه الوضعية إقرار إصلاحات قانونية ومؤسساتية جريئة، من أبرزها سن قوانين واضحة وصارمة لمحاسبة الأحزاب التي تتحمل المسؤولية الحكومية أو تستفيد من الدعم العمومي، ضماناً لربط التمويل العمومي بمدى الالتزام بالبرامج والأهداف المعلنة.
كما يجب العمل على الحد من ظاهرة تفريخ الأحزاب السياسية، التي تُربك المشهد وتُضعف التمثيلية، عبر تشجيع الاندماجات الحزبية وتحقيق نوعٍ من التحليق (العقلنة) في الحقل السياسي، بما يسهم في تعزيز الوضوح والفعالية والانسجام داخل النظام الحزبي المغربي.
خاتمة
إن أزمة الأحزاب السياسية في المغرب ليست مسألة ظرفية، بل هي نتيجة تراكمات بنيوية وثقافية وتنظيمية تتطلب معالجة شمولية.
فإعادة الاعتبار للعمل الحزبي تمر عبر ترسيخ الديمقراطية الداخلية، وتفعيل التأطير السياسي، وتجديد النخب، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
ومن شأن هذه الخطوات أن تُسهم في استعادة ثقة المواطن، وتفعيل المشاركة السياسية، وتعزيز مقومات الحكامة الديمقراطية التي تشكّل جوهر المشروع الدستوري المغربي.