جنيف،سويسرا
العدالة من قلب الإحساس. لن نقبل بضياع الرجل، كما لا نقبل بظلم المرأة، لأن العدالة الحقيقية لا تعرف جنسًا أو لونًا أو صفة، بل تعرف الحق فقط.
الفن بدوره يحمل هذه الرسالة الإنسانية العميقة؛ فهو ليس مجرد وسيلة للتسلية، بل لغةُ الوجدان وصوتُ الحقيقة، يُعبّر عن مشاعرنا ويُذكّرنا بقيم الكرامة والإنصاف التي يجب أن تسود في كل علاقة إنسانية.
ومن بين الأصوات التي استطاعت أن تُجسّد هذا الإحساس الإنساني الصادق، يبرز الفنان محمد الريفي، الذي أثبت أن الفن الحقيقي لا يعيش فقط بالألحان، بل بالصدق والعاطفة.
أغنية “خلصنا” للفنان محمد الريفي تُعتبر واحدة من أجمل الأغاني التي قدمها بصوته القوي وإحساسه العميق. يتميز الريفي في هذه الأغنية بقدرةٍ فريدة على المزج بين القوة والعاطفة، حيث يوصل كلماتها بصدقٍ يجعل المستمع يعيش كل لحظة فيها وكأنه جزء من القصة.
الكلمات جاءت معبّرة وصادقة، تعبّر عن الانفصال والنضوج بعد علاقة أنهكها التعب، بأسلوب راقٍ بعيد عن المبالغة. أما اللحن، فهو مزيج بين الطابع الشرقي الأصيل والإيقاعات الحديثة، ما جعل الأغنية قريبة من كل الأذواق.
محمد الريفي أبدع في الأداء الصوتي، واستطاع أن يمنح الأغنية روحًا خاصة تليق بإحساسه المميز الذي عرفناه منذ بداياته في عالم الفن. “خلصنا” ليست مجرد أغنية، بل رسالة قوية عن الكرامة، والتحرر من الألم، كما تسلّط الضوء على قضايا الرجل ومسؤولياته التي غالبًا ما تُغفل. إنها تأكيد على أن الريفي ما زال يسير بثبات نحو القمة، محافظًا على صوته القوي وهويته الفنية التي تجمع بين الأصالة والتجديد.
وبصفتي أنثى، أتمنى في يومٍ من الأيام أن يُسلّط القضاء، والسلطات التشريعية، ووسائل الإعلام، ومنظمات المجتمع المدني، والمجتمع نفسه الضوء بشكل متوازن على قضايا الرجال أيضًا، فليس دائمًا الأنثى هي الضحية، فهناك حالات كثيرة يكون فيها الرجل هو المتألم والمظلوم. العدالة الحقيقية لا تميز بين رجلٍ وامرأة، بل تقف إلى جانب الحق أينما كان، وتعمل كل جهة مسؤولة على معالجته بما يضمن الإنصاف والمساواة.
ومن هذا المنطلق، أتمنى أن يشمل القانون المغربي الجديد لمدونة الأسرة بنودًا أكثر إنصافًا للطرفين، من بينها أن تُعتبر الممتلكات التي يملكها الزوجان ابتداءً من لحظة إبرام عقد الزواج ملكًا مشتركًا بينهما. فإذا امتلك الرجل ممتلكات جديدة بعد الزواج تُقسم مع الزوجة عند الطلاق، وكذلك إذا اكتسبت المرأة ممتلكات أثناء الزواج، حتى وإن كانت شيئًا بسيطًا كخاتم ذهب، تُقسم مع الزوج بالتساوي.
كما أرجو أن يتضمن القانون مبدأ الالتزام المتبادل بالنفقة؛ فإذا كان أحد الزوجين لا يعمل، يتحمّل الطرف الآخر المصاريف خلال الزواج وبعد الطلاق، تمامًا كما هو معمول به في العديد من الدول الأوروبية. فحين تكون المرأة هي العاملة والرجل لا يعمل، تُلزم هي قانونيًا بدفع النفقة الشهرية له بعد الطلاق، والعكس صحيح.
الجدير بالذكر أن الكثير من الرجال يتحملون مسؤولية مالية ضخمة أثناء الزواج أو بعد الطلاق، لقد عبّر البعض بقولهم : “من حسبتنا نقصنا”، في إشارة إلى المبالغ التي دفعوها للزوجة، خصمًا من كل شيء حتى من ممتلكاتهم وما في حوزتهم، لتسديد حقوقها، رغم أن الأموال لم تكن موجودة لديهم مباشرة. هذا يعكس التضحية الحقيقية وتحمل المسؤولية الكاملة لبناء الأسرة، وهو جانب غالبًا ما يُغفل في النقاش العام.
كما اتمنى أن يشمل القانون أيضًا بندًا إضافيًا ينص على أنه في حال كان لأحد الطرفين منزل أو عقار تم شراؤه عن طريق التقسيط قبل الزواج، فإن المبالغ التي تم دفعها للبنك بعد الزواج تُعتبر من الحقوق المشتركة بين الزوجين. وعند الطلاق، يجب على الطرف الذي يملك العقار أن يُرجع للطرف الآخر نصف المبلغ الذي تم دفعه خلال فترة الزواج.
فهكذا يُجسّد مبدأ العدالة والمساواة، ويعترف بمجهود كل طرف في بناء الحياة الزوجية، سواء كان الدعم ماديًا أو معنويًا. فكما تُبنى الأسرة على المشاركة، يجب أن يُبنى القانون على الإنصاف وتقاسم المسؤوليات والحقوق، مع مراعاة المساواة بين الطرفين وعدم التمييز على أساس الجنس، بل على أساس المسؤولية والمشاركة الفعلية في الحياة الزوجية.
بهذه الطريقة تتحقق العدالة والمساواة الحقيقية، ويُصبح القانون منصفًا للطرفين، ويُعكس روح الاحترام والكرامة لكل فرد داخل الأسرة.