جنيف، سويسرا
إلى قضاة المغرب، إلى من كرسوا أنفسهم لحماية العدالة وصون كرامة الإنسان،
أرفع إليكم صرخةً تختنق بها حناجر الجالية المغربية في المهجر، صرخةً مشحونة بالوجع والأسى، وقد بلغ السيل الزبى.
نحن أبناء الوطن، أبناء المجتمع المدني، أبناء الجالية المغربية، الذين حملوا حب المغرب في صدورهم كما يُحمل النبض في القلب، نقشنا اسمه على صخور الغربة بذهبٍ صافي، ورفعناه عاليًا في أقوى ميادين العلم والمعرفة والأخلاق. كنا وما زلنا سفراء للوطن في كل بقاع العالم، نحمل رايته بقلوب طاهرة، ونصون سمعته كما نصون أعيننا من كل شائبة
نرفع صرختنا إلى عنان السماء، إذ المشهد الحقير والرخيص الذي يصلنا عبر العالم من بعض قنوات اليوتيوب، يمس قيمنا الإسلامية، ويجرح وجداننا الوطني، ويشوّه صورة بلدنا العزيز أمام العالم، ويجرحنا نحن الذين بذلنا الجهد لتحقيق النجاحات في أقوى المجالات العلمية… ليذلّنا اليوتيوب المغربي من أجل أن نطأطئ رؤوسنا.
لقد ربّت الجالية أبناءها في بيئات غربية غريبة عن ديننا وعادتنا الإسلامية، واجتهدت رغم الصعاب لتغرس فيهم البر بالوالدين واحترام الأسرة، فإذا بنا نصدم بمشاهد تُهدم فيها هذه القيم جهارًا، من داخل بيوت مغربية الأصل والجذور.
نقف اليوم مذهولين أمام ما تقدمه بعض القنوات اليوتيوبية المنسوبة لفتاتين من مدينة فاس: الأولى المعروفة باسم قناة ( يـ. سـ )، وأختها صاحبة قناة (F.M), منذ اللحظة الأولى محتوياتهما منصاتٍ للعقوق والاستهتار بالقيم الإسلامية والدينية والأخلاقية، حيث تمارسن أقسى أشكال الذل والإساءة تجاه والدتهما. ولم تتوقف عند ذلك، بل تعدت إلى محاولات ابتزاز مادي تتنافى مع أبسط معاني البر والرحمة. وقد بلغ الأمر أن الأم أُسقطت باكيةً تحت أبشع استغلال لعاطفتها، مقابل قطعة أرض، مستخدمة ذرائع التنازل والضغط النفسي.
لقد أصبحت هذه الأم اليوم تعيش تحت وطأة قمع مستبد من بناتها، حتى لم تعد قادرة على الكلام بحرية، فصمتها أصبح صرخة مكتومة من الألم والذل. وقد خرجت في بث مباشر، لم تجد شجاعة للتعبير عن ألمها، فتكتفي بالتلميح، ناشدة الشعب المغربي احتضانها ودعمها بصمت، خوفًا من بطش بناتها. هذه الصورة المرعبة لم تعد مجرد خلاف عائلي، بل تحولت إلى استعراض للقمع والانتهاك يستهدف كرامة الإنسان ويهدد القيم الإسلامية والأخلاقية التي نحرص على صيانتها.
اننا نتابع بألم بالغ كيف تحوّل الخلاف العائلي إلى مادة يومية تُعرض على الملأ، وكيف سقطت القيم التي نشأنا عليها تحت وطأة البحث عن المشاهدات والربح السريع، حتى باتت قصص العقوق وزنا المحارم تُتناقل عبر القارات، في مشهدٍ يخدش كرامة الأسرة المغربية ويشوّه صورتها في المهجر.
وصلت الأمور إلى أن تظهر شابة صاحبة قناة (F.M) في بث مباشر مع والدها، صاحب قناة ( أ.م )، وهي تقول لأمّها:
“أنت خص اللي يشدك من شعرك ويشطب بك الأرض و يغسل بك القدوس!”
أهذه هي قيمنا؟ أهذه هي أخلاقنا؟ أين البر بالأم الذي علمنا إياه ديننا الحنيف؟ لقد قال رسول الله ﷺ لأحد الصحابة الذي أراد الجهاد: “ألزم قدمها فتم الجنة.” فكيف لنا أن نصمت عن هذا الانحراف؟ وإلى أين سيأخذون ناشئتنا بهذا السلوك.
ونحن على يقين بعد ان لمسنا نزاهة وعدالة السيد الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف، والسيد وكيل الملك بالدار البيضاء، ونائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية الزجرية عين السبع، الذين شكّلوا نموذجًا حيًا في تطبيق القانون بحزم وتجرد، بأن القضاء سيأخذ مجراه الصحيح.
لذلك، نلتمس من قضاء الدار البيضاء التدخل العاجل، واتخاذ جميع الإجراءات القانونية الضرورية للحفاظ على هيبة القضاء، وصون كرامة الأمومة، وإعادة الاعتبار لصورة المغرب التي نفاخر بها بين الأمم.
إننا نرفع هذه الصرخة وقلوبنا مؤمنة بأن عدلكم لن يخذلنا، وأن روح القانون في المملكة المغربية ستبقى منارة لحماية الإنسان، وصوتًا للحق الذي لا يصمت مهما علا ضجيج الباطل.
إني أرمي عار الله أمام القضاء المغربي عن علِّيَتي ووجعي، وأضع بين يدي عدالتكم كلّ ما في قلبي من ألم واحتقان، أمانةً لتتخذوا ما يلزم من إجراءات.
نطالب عدالتكم بالتصدّي بحزمٍ ومسؤوليةٍ لهذا الورم الخبيث الذي استفحل في مدينة فاس. نشير هنا صراحةً إلى القنوات المنسوبة لهذه الأسرة والتي أصبحت منابر لانتهاك القيم:
قناة الأب ( أ.م )، قناة الزوجة الأولى ( ج.م )، قناة الزوجة الثانية ( لـ . يـ) ، قناة الابنة الكبرى ( يـ .سـ ) ، قناة الابنة الثانية (F.M)، وقناة الجدة ( أ.يـ ا ).
وإلى هؤلاء أقول: إن العين لا تدمع إلا دمًا على ما فعلتم بقيمنا الدينية الإسلامية، وأننا غدًا أمام الله واقفون خصومًا لكل تجاوز وظلم لديننا الحنيف. فنذكّركم، قبل أن نذكّر أنفسنا، بأن كل إنسان سيقف محاسبًا أمام خالقه عمّا صنع.
حضرات القضاة الأجلاء،
لقد قضينا أعمارنا في الغربة نحمل الوطن في قلوبنا، ونزرع قيمه الإسلامية في أبنائنا كما يزرع المزارع بذوره في الأرض القاحلة، بجهدٍ مضنٍ وصبرٍ لا يكلّ، حتى لا تضيع هويتهم ولا تفقد أعينهم نور الإيمان.
وعشنا الغربة بكل ألمها، نكافح صعوبات العيش بين بيئات بعيدة عن ديننا، نربي أبنائنا على البر بالوالدين والصدق والتقوى، نزرع فيهم الإيمان بالقيم التي ورثناها عن أجدادنا، ونتألم كل يوم من أجل أن نراها تنمو وتثمر.
واليوم، ونحن نشاهد هذه القيم تُهدم أمام أعيننا، نشعر برعبٍ شديد وقلقٍ عميق من أن تذهب جهودنا سدى، وأن تضيع الهوية التي حملناها في غربتنا، ونرفع إليكم صرختنا باسم كل مغتربٍ أفنى عمره دفاعًا عن دينه ووطنه وأسرته، قبل أن يضيع ما زرعناه بدموع الغربة وكدح الأيام.
نؤمن أن القضاء المغربي الشامخ هو السور الأخير الذي يحمي كرامة الأم، ويحفظ صورة الأسرة المغربية من التشويه والإسفاف، ويرد الاعتبار لجهود جاليتنا التي سطّرت ملاحم من التضحية والإخلاص.
لذلك، نناشد عدالتكم الكريمة أن تتدخل بحزمٍ ومسؤولية، لتعيد للقيم حرمتها، وللأم مكانتها، وللمغرب صورته المشرقة بين الأمم.
فما ضحّت به أجيال الغربة لا يجوز أن يُهدر، وما بناه المخلصون بدموع البعد لا يحق أن تهدمه قنوات التفاهة.
إننا نثق أن عدلكم سيُنصف الأمهات، ويصون الأسرة، ويحمي هوية الوطن من كل انحراف، لتبقى المملكة المغربية منارةً للفضيلة والعدل، ودرعًا للقيم التي ورثناها جيلاً بعد جيل.
فهل سيهزكم نداؤنا وصرختنا في سبيل الحفاظ على قيمنا الإسلامية؟