FR AR
شارك على :

الواحة بين ثراء الذاكرة وفقر السياسة أو حينما تصمت الأرض وتضج الهشاشة

بقلم عبد الله سدراتي 
تعيش واحة دادس - مكون بإقليم تنغير وضعا مركبا تتقاطع فيه الهشاشة الطبيعية مع اختلالات اجتماعية وسياسية. فالمجال يواجه ضغوطا بيئية متزايدة، لكنها ليست سوى جزء من أزمة أعمق تشمل محدودية الخيارات التنموية، وغياب رؤية جماعية قادرة على حماية الواحة، وإعادة توجيه بوصلتها نحو مستقبل واعد .

وإلى جانب هذا الوضع البئيس، تبرز أزمة نخب اختارت في جزء منها التماهي مع خطاب “الهمزة” والتدبير الموسمي، بدل أن تتحول إلى قوة اقتراحية تترافع وتبتكر حلولا ناجعة، وتدافع عن المشترك. لقد انزلقت بعض النخب إلى منطق التسلق السياسوي الضيق، مما جعل الشأن العام حبيس حسابات ذاتية لا تراعي تطلعات أبناء وبنات أسامر، وحين تتماهى النخب مع مصالحها تصير الأزمة فرصة لإعادة إنتاج الهيمنة الفاشلة والاستعراض الفارغ، والنتيجة شباب يواجهون الهجرة، والبطالة، ومنسوبا غير مسبوق من الإحباط .

نزعم أن الواحات لا تخونها الطبيعة، بل تخذلها نخب عاجزة! من هنا فالمستقبل يحتاج إلى عقول صادقة، وإرادات قادرة على إعادة بناء الثقة بين السكان والمؤسسات، وتجديد روح المسؤولية السياسية والأخلاقية. ويكتسب الانخراط في مشاريع التنمية الترابية المندمجة أهمية بالغة، إذ يتطلب الانصات لاحتياجات الساكنة والترافع عن همومها أملا في إبداع حلول واقعية تراعي خصوصية المنطقة .

ليس الموارد هو ما ينقص الواحة، بل وحدة الرؤية وصدق النوايا. الحاجة ماسة وأكثر من أي وقت مضى، إلى نخب تصوغ مشروعا ترابيا محليا واضحا، يدمج مختلف المكونات في رؤية تنموية متكاملة؛ تشمل الماء والزراعة المستدامة والسياحة الإيكولوجية والبنى التحتية ومؤسسات التكوين والثقافة المحلية كرافعة اقتصادية. مشروع قائم على الحكامة والمسؤولية، يربط القرار بالمعطيات، لا بالانتماءات الضيقة، ويمنح للساكنة الحق في المشاركة في صياغة مستقبلها .

على الجميع أن يدرك أن استمرار الوضع كما هو عليه يعني فقدان مزيد من الزمن التنموي. لذلك، فإن الواحة بحاجة إلى جرأة سياسية، ووعي جماعي، ونَفَس جديد يعيد تشكيل علاقة الإنسان ببيئته، أسوة بمجالات أخرى تشهد الإقلاع ولا تنتظر أحدا . إنها لحظة فارقة تستدعي أن يتحمل كل فاعل مسؤوليته، وأن تكون التنمية مشروعا أخلاقيا قبل أن تكون برنامجا إداريا .. فصون المجال الواحي ليس دفاعا عن الماضي فقط، بل استثمار في المستقبل الذي يستحقه أبناء وبنات هذه الأرض الصامدة .

Partager sur :