FR AR
شارك على :

هل يكفي استقطاب المؤثرين لصنع التغيير السياسي؟

بقلم عادل بن الحبيب

لا شيء أخطر على السياسة من فقدان البوصلة. وحينما يصبح جذب المؤثرين واستقطاب الوجوه الإعلامية بديلا عن التأطير الحقيقي للمواطنين وصناعة نخب مؤهلة قادرة على التدبير والتشريع، فإننا أمام إشارة مقلقة عن مسار الأحزاب السياسية ودورها في المجتمع. المؤثرون لم يعد وجودهم محصورا في شبكات التواصل الاجتماعي فقط، بل اقتحموا مجالات عديدة مثل الفن، الصحافة، الإعلام، الإعلانات، الرياضة ، والسياسة. وأصبح لهم صوت ونفوذ جماهيري واسع، ما يجعل استقطابهم من قبل الأحزاب السياسية خطوة ذات دلالات مضاعفة، تحمل في طياتها رسائل عن أولويات السياسة وطرق قياس الكفاءات.

في هذا السياق، يثير قرار مايسة سلامة الناجي الترشح باس حزب التقدم والاشتراكية، بقيادة نبيل بنعبد الله، نقاشا واسعا فالحدث لا يتعلق بشخصية واحدة بقدر ما يعكس توجها جديدا لدى بعض الأحزاب التي ترى في استقطاب أسماء ذات حضور رقمي فرصة لاستعادة البريق الانتخابي.

مايسة، المعروفة بخطابها النقدي وجرأتها في تناول القضايا الحساسة، تمثل لدى شريحة واسعة من الشباب رمزا للاحتجاج المشروع والتعبير الحر. انتقالها من خانة النقد الخارجي إلى المشاركة الفعلية في العمل السياسي قد يبدو خطوة طبيعية نحو تحويل الأفكار إلى أفعال، لكنه في الوقت نفسه يطرح أسئلة حول مدى قدرة هذا الانتقال على الصمود أمام منطق الحزب والالتزامات السياسية.

حزب التقدم والاشتراكية الذي عرف تراجعا في حضوره الانتخابي خلال السنوات الأخيرة، يبدو أنه يسعى إلى تجديد صورته وضخ دماء جديدة في صفوفه. لكن السؤال الجوهري يظل مطروحا ، هل يكفي جذب شخصية إعلامية أو مؤثر رقمي لخلق التغيير المنشود؟ أم أن ذلك قد يكون مجرد محاولة لإثارة الانتباه الإعلامي دون تقديم بدائل سياسية حقيقية؟

تجارب مماثلة ظهرت في دول أخرى، حيث حاولت أحزاب سياسية استقطاب مؤثرين وفنانين وشخصيات معروفة على مواقع التواصل الاجتماعي. في فرنسا مثلا، تم ترشيح بعض نجوم التلفزيون ومشاهير اليوتيوب ضمن لوائح انتخابية، لكن أغلب هذه التجارب انتهت سريعا بسبب الصدام بين خطاب الشهرة ومتطلبات العمل السياسي الجاد. في تونس أيضا، خاض بعض الصحافيين والإعلاميين غمار الانتخابات البرلمانية، لكن التجربة أظهرت أن الشعبية الرقمية لا تكفي وحدها لبناء رصيد انتخابي حقيقي إذا لم تكن مدعومة ببرنامج واقعي وعمل ميداني منظم.

دخول مايسة إلى السياسة إذن هو اختبار مزدوج، اختبار لخطابها النقدي الذي طالما تبنى الجرأة والمواجهة، واختبار للمشهد السياسي المغربي الذي يواجه تحديا كبيرا يتمثل في إعادة الثقة إلى العمل الحزبي من خلال بناء برامج ورؤى، لا الاكتفاء بركوب موجة النجومية الرقمية. فالسياسة ليست استعراضا إعلاميا، بل مسؤولية وتدبير، ولا شيء أخطر على السياسة من أن تفقد وظيفتها التأطيرية وتتحول إلى سباق على الأضواء.

وعليه، فإن الأحزاب المغربية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى العودة إلى دورها الأصلي و هو تأطير المواطنين، تكوين نخب حقيقية، وصناعة قيادات قادرة على حمل هموم المجتمع بجدية ومسؤولية. فالاستثمار في الكفاءات والبرامج الواقعية يظل السبيل الوحيد لإقناع المواطن، أما الاكتفاء باستقطاب وجوه مشهورة دون مشروع واضح فلن يؤدي إلا إلى مزيد من فقدان الثقة في السياسة ومؤسساتها.

Partager sur :