FR AR
شارك على :

جيل Z في الشارع والحكومة في بلاطو 2M: نزار بركة بين خطاب الإنصات وتحديات الواقع

بقلم هشام التواتي -في زمن بالغ الدقة سياسياً واجتماعياً، وفي ظل احتجاجات يومية يقودها شباب ينتمون لما يصطلح عليه بـ”جيل Z”، بادرت القناة الثانية المغربية 2M إلى تخصيص حلقة استثنائية من برنامجها الحواري “نكونوا واضحين”، مساء الأحد 5 أكتوبر 2025، لمساءلة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين حول خلفيات هذا الحراك وأفق الاستجابة لمطالبه.

البرنامج، الذي دام ساعة ونصف، جمع ثمانية ضيوف يمثلون شرائح مختلفة، أبرزهم الدكتور نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء في الحكومة الحالية. حضوره كان لافتاً ليس فقط لصفته الوزارية، ولكن أيضاً بسبب رمزية موقعه الحزبي داخل توازنات المشهد السياسي المغربي.

اختار بركة أن يتحدث من موقعه الحزبي لا من مقعده الحكومي، في خطوة بدت محسوبة، بالنظر إلى أن المطالب المركزية للحراك - الصحة، التعليم، ومحاربة الفساد - لا تندرج ضمن اختصاص وزارته التقنية، وإنما تخص حقائب وزارية أخرى. هذا الاختيار سمح له بأن يعبر بحرية أكبر، وأن يمارس نوعاً من النقد الذاتي باسم الفاعل السياسي، دون التورط في الدفاع المباشر عن أداء قطاعات لم يكن طرفاً مباشراً في تدبيرها.

في مداخلته، وصف بركة احتجاجات الشباب بأنها “فرصة لوضع النقط على الحروف”، معتبراً أن خروج الشباب إلى الشارع بطريقة سلمية ينم عن وعي وطني ناضج يستحق التقدير، لا التجاهل. لكنه سرعان ما انتقل من الثناء إلى التشخيص، مقدماً جرداً بالأرقام حول نسبة بطالة الشباب وإكراهات سوق الشغل، ليؤكد أن الحكومة، وإن كانت لم تفِ بعد بوعد خلق مليون منصب شغل، فإنها تشتغل ضمن سياقات دولية ومحلية صعبة، تشمل تداعيات الجفاف، وأزمة أوكرانيا، وتقلص القدرة الشرائية، بالإضافة إلى التفاوت بين الاستثمارات العمومية واستعدادات القطاع الخاص لمواكبتها.

ولعل أبرز لحظة في حديث نزار بركة هي إقراره الصريح بأن “الحكومة مسؤولة، والدستور منحها صلاحيات واسعة، ونحن مستعدون للمساءلة”، وهو تصريح نادر في الخطاب الرسمي المغربي، خاصة في ظرف يتسم بالاحتقان المجتمعي. لكنه لم يقف عند حدود الاعتراف، بل استعرض مجموعة من الأوراش والبرامج التي شارك حزبه في إطلاقها، ومنها مبادرة الإنصات للشباب عبر منصة “ديسكورد”، التي أطلقها حزب الاستقلال في يناير من هذه السنة، وزيارات ميدانية شملت كافة الجماعات الترابية، في محاولة لفهم أعمق لمشاكل الشباب وإشراكهم في صياغة الحلول.

بركة حاول أن يعيد التأكيد على منطق الإصلاح التدريجي، مسلطاً الضوء على ما تحقق في ملفات مثل الحماية الاجتماعية، التي وصفها بالورش الملكي، مشيراً إلى أن 12 مليون مغربي يستفيدون من دعم مباشر في إطار “أمو تضامن”، مع مراجعة مستمرة لآليات الاستهداف، خاصة أن نسبة لا يستهان بها من المستفيدين حالياً لا يستحقون الدعم. كما تطرق إلى الجهود المبذولة في البنية التحتية الصحية، حيث تم بناء ما بين 900 و1000 مستوصف، وتهيئة مستشفيين جامعيين بأكادير والعيون، بالإضافة إلى الرفع من أجور الأطباء واستقطاب كفاءات طبية أجنبية لسد خصاص يتجاوز ثلاثين ألف طبيب.

ورغم أنه لم يكن مضطراً للخوض في ملف الصحة والتعليم، إلا أن بركة اختار أن يُظهر تضامنه المؤسساتي مع زملائه في الحكومة، معتبراً أن النقد واجب، لكنه ينبغي أن يُبنى على تصور مشترك لإعادة الثقة في العمل السياسي. من هذا المنطلق، أشار إلى ضرورة فتح قنوات تواصل جديدة مع جيل Z، مع تغيير لغة الخطاب ووسائط التواصل، بل وإعادة النظر في المؤشرات التي تُمنح على أساسها المساعدات، ومراجعة التعريفة المرجعية للقطاع الصحي الخاص.

في خلفية هذا الحوار، تبرز ملاحظة لا يمكن إغفالها: البرنامج نفسه، وإن كان مبادرة إعلامية في محلها، جاء متأخراً مقارنة مع دينامية الاحتجاج التي انطلقت منذ 27 شتنبر. كما أن حضور ثمانية ضيوف، ضمنهم أربعة شباب وثلاثة سياسيين وفاعل جمعوي، في مدة زمنية محدودة، لم يسمح بنقاش معمق، بل ظهر كأنه تمرين تواصلي أكثر منه محاولة للغوص في عمق الإشكالات التي فجّرت الغضب الاجتماعي.

ومع ذلك، يمكن القول إن نزار بركة، بخطابه المتوازن، حاول أن يُخرج النقاش من ثنائية الإنكار والتبرير، نحو الاعتراف والتفاعل. قد لا تكون مداخلته كافية لإقناع آلاف الشباب المحتجين في شوارع الرباط والدار البيضاء وأكادير، لكنها تمثل على الأقل تحولاً في النبرة السياسية، ووعياً بضرورة إعادة رسم العلاقة بين الجيل الجديد من المواطنين والمؤسسات.

في المشهد السياسي المغربي، يظل الرهان اليوم ليس فقط على تقديم حلول تقنية لمطالب آنية، بل على إعادة بناء الثقة، وهي عمل لا يتم ببلاغات رسمية أو إحصائيات جامدة، بل عبر إنصات حقيقي وتنازلات سياسية تفتح المجال أمام مشاركة أوسع لجيل يبحث عن الكرامة قبل التشغيل، وعن الأمل قبل الأرقام.

Partager sur :