مراحل كبرى وصغرى في مسار نزاع الصحراء.. القرار الأمريكي يحرج إسبانيا وفرنسا
رغم أن القرار الأمريكي، القاضي بالاعتراف للمرة الأولى بمغربية الصحراء، أخذ الجميع على حين غِرَّة، مساء أول أمس الخميس، فإن السياقات التي طبعت ملف نزاع الصحراء، في السنوات والآونة الأخيرة، تؤكد أنه طُبخ على نار هادئة داخل المكاتب الدبلوماسية قبل خروجه إلى العلن، إلى درجة أن دولة معنية بشكل غير مباشر بالنزاع قالت إن القرار لم يفاجئها، لكن الأكيد، في الوقت الراهن، هو أن القرار أحرج إسبانيا وفرنسا، بحكم أن الأولى لا تعترف بمغربية الصحراء وتتشبث بمركزية الأمم المتحدة في حل النزاع، والثانية لا تعترف، أيضا، بمغربية الصحراء، لكنها تدعم بقوة المقترح المغربي القائم على الحكم الذاتي. وإذا كان القرار الأمريكي محرجا لمدريد وباريس، فإنه قد يكون ملهما لدول أخرى قد تحذو حذو أكبر قوة اقتصادية وعسكرية عالميا
وتبين التفاعلات الرسمية وغير الرسمية الإسبانية مع القرار المغربي الأمريكي أن مدريد في وضع محرج، إذ دعمت قرار إعادة العلاقات والاتصالات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، وفي المقابل، تحفظت في إبداء موقف واضح من اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء، واكتفت بتأكيد ضرورة احترام قرارات الأمم المتحدة في الصحراء، علما أن إعلان تأجيل القمة المغربية الإسبانية، التي كان من المرتقب أن تنعقد في الرباط يوم 17 دجنبر الحالي، جاء مباشرة بعد إعلان الرئاسة الأمريكية والقصر الملكي المغربي أن ترامب أصدر «مرسوما رئاسيا، بما له من قوة قانونية وسياسية ثابتة، وبأثره الفوري، يقضي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، لأول مرة في تاريخها، بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية
وعلى ما يبدو، فإن الإسبان متوجسون من تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين واشنطن والرباط ليمتد إلى الأقاليم الجنوبية للمملكة. ويظهر هذا التعاون جليا في بلاغ القصر المغربي: «وفي هذا السياق، وكأول تجسيد لهذه الخطوة السيادية المهمة، قررت الولايات المتحدة فتح قنصلية بمدينة الداخلة، تقوم بالأساس بمهام اقتصادية، من أجل تشجيع الاستثمارات الأمريكية، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة لفائدة سكان أقاليمنا الجنوبية»، وأضاف: «وهو موقف يعزز الشراكة الاستراتيجية القوية بين البلدين، والارتقاء بها إلى تحالف حقيقي يشمل جميع المجالات
وعلقت وزيرة الخارجية الإسبانية، أرانتشا غونزاليس لايا، التي كانت في رام الله، أول أمس الخميس، حيث اجتمعت بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقبل ذلك بالرئيس الإسرائيلي، من هناك على القرار قائلة: «لم يفاجئنا». وبدل إعطاء الأولوية للاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، قالت: «مرحبا بهذا التطبيع للعلاقات مثل كل التطبيعات السابقة»، لكنها أصرت على أن «السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لم يتحقق، ولم تحل قضية الصحراء»، وخلصت إلى أن «موقف إسبانيا واضح، وهو احترام قرارات الأمم المتحدة
في سياق متصل، أرجعت الحكومتان المغربية والإسبانية سبب تأجيل القمة إلى الوضعية الوبائية الراهنة، لكن ربما العامل المحدد في هذا التأجيل هو تعذر استقبال بيدرو سانشيز في الوقت الراهن، حيث إن الاستقبال لم يذكر في الأجندة المسربة للقمة قبل أيام. فحتى البلاغ المشترك أوضح قائلا: «ولهذه الغاية، اتفق البلدان على تأجيل عقد الاجتماع رفيع المستوى إلى غاية فبراير 2021 بالمغرب من أجل تأمين فرص انعقاده بسلاسة مع اعتماد الصيغ المعتادة، التي تؤطر اللقاءات التي من هذا الحجم». فالصيغ المعتادة التي تؤطر لقاءات من هذا الحجم، منذ انعقاد أول قمة سنة 1993، كانت تتضمن استقبال رئيس الحكومة الزائر من لدن ملك البلد المحتضن للقمة. وعليه، يبدو أن سانشيز لم يكن يرغب في العودة إلى مدريد دون مقابلة الملك محمد السادس
سياقات كبرى وصغرى>
بعد القرار الأمريكي، يبدو أن قضية الصحراء المغربية مرت، إلى حدود الساعة، بأربع مراحل كبرى؛ أولا، المسيرة الخضراء في نونبر 1975، والتي شكلت منعطفا حاسما أدى إلى استرجاع جزء مهم من التراب الوطني؛ ثانيا، اتفاق وقف إطلاق النار بالصحراء سنة 1991، والذي فسح المجال لكافة الأطراف للانخراط في التسوية السياسية للبحث عن حل عادل مقبول لدى جميع الأطراف؛ ثالثا، مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007، والذي غير كل المعادلات، وكان تمهيدا للانتصارات التي يحققها المغرب حاليا؛ رابعا، تحرير منطقة الكركرات في 13 نونبر المنصرم، والذي توج بالقرار الأمريكي التاريخي. وسيكون لهذا القرار ما بعده بحكم أنه يزكي النجاحات والانتصارات المغربية في السنوات الأخيرة
وتبقى السياقات الصغيرة مؤثرة أيضا في الوصول إلى القرار الأخير، من قبيل وصول ترامب إلى الحكم في أمريكا في يناير 2017، وعودة المغرب في الشهر نفسه من السنة ذاتها إلى الاتحاد الإفريقي، والأزمة التي تعيشها الجزائر في السنوات الخمس الأخيرة مع هيمنة الجيش على مقاليد الحكم، وتوالي هزائم البوليساريو إفريقيا وأوروبيا وفي أمريكا اللاتينية، مقابل الانتصارات الواضحة للمغرب. لكن، يبقى التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة، والقرار الأخير لمجلس الأمن، وتفاعل المجتمع الدولي بالإيجاب مع الموقف المغربي إزاء التطورات الأخيرة في الكركرات خير دليل على «فقدان البوليساريو وحاضنتها الجزائر البوصلة»، وفق ما قاله الخبير المغربي، المساوي العجلاوي، لـ«أخبار اليوم