
في إطار...بين الهوية والأصالة الأمازيغية والرؤية السينمائية العالمية زينب واكريم، المخرجة المغربية الشابة ذات الجذور الأمازيغية، تمثل أحد الوجوه الساطعة في عالم السينما المغربية. استطاعت بحسها الفني العميق أن تقدم أعمالاً إبداعية تجمع بين الثقافة المحلية والأفق العالمي، مركزة في طرحها على قضايا اجتماعية وإنسانية بقدر كبير من الشفافية والشغف. نشأت زينب في بيئة أمازيغية محافظة أثرت بشكل كبير على نظرتها الإبداعية. وهنا استحضر مقولة الفنان المغربي: عبد الحق الزروالي "يكفي أن تكون أمازيغيا لكي تكون مبدعا".
زينب خلال مسيرتها التعليمية في المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش، التي تُعرف بتكوينها المميز للسينمائيين الشباب، بدأت في استكشاف القضايا الثقافية والاجتماعية برؤية تتمحور حول الهوية الأمازيغية. كما اختارت استخدام اللغة الأمازيغية كأداة للتعبير عن قصصها، ما جعلها صوتاً سينمائياً مميزاً يعكس روح ثقافتها. من أبرز أعمال زينب فيلم "أيور"، الذي قدمته خلال الدورة الـ76 من مهرجان كان السينمائي لعام 2023 ضمن فئة "سيني فونداسيون"، التي تسلط الضوء على أعمال طلبة السينما من جميع أنحاء العالم. اختارت زينب اسم "أيور"، الذي يعني "القمر" باللغة الأمازيغية،والذي نال الجائزة الثالثة في مسابقة مدارس السينما ضمن مهرجان كان السينمائي ليكون رمزاً لمرضى "أطفال القمر" الذين يعانون من حساسية شديدة تجاه أشعة الشمس. الفيلم يطرح القضية بأسلوب إنساني حميم مستوحى من روح فيلم "The House Is Black" للمخرجة الإيرانية فروغ فرخزاد، الذي تناول مرضى الجذام بأسلوب يمزج بين الرمزية والجمالية الواقعية. تحديات التصوير كانت كبيرة، بسبب ضرورة العمل ليلاً لتجنب تعرض الأطفال لأشعة الشمس، وهو ما دفع فريق العمل لتطوير منهج إبداعي خاص في إدارة الإضاءة والزمن. زينب واكريم ليست فقط مخرجة واعدة، بل أيضاً باحثة في السينما الأمازيغية، حيث درست العلاقة بين الهوية الثقافية والسينما ودورها في تشكيل الوعي المجتمعي. أبحاثها سلطت الضوء على كيفية تعاطي الأفلام الأمازيغية مع قضايا اجتماعية هامة، مثل الأمراض النادرة، بالإضافة لتأثير السينما كمصدر تعليم وتثقيف. أسلوب زينب الفني يعكس تأثرها بالسينمائي الروسي أندريه تاركوفسكي، خاصةً فيما يتعلق بتقنية تحرير الصورة والإحساس الجمالي العميق الذي يطبع أعماله. دراسة مقارنة بين نهج تاركوفسكي وأسلوب زينب تظهر كيف نجحت المخرجة المغربية في المزج بين القيم الفنية والموضوعات الاجتماعية بأسلوب يُثري العمل السينمائي. المشاركة الدولية لفيلم "أيور" شكلت انطلاقة مهمة لعالم السينما الأمازيغية والمغربية بشكل عام على الساحة العالمية. وقد عبرت زينب عن فخرها بهذه المشاركة خلال لقاء مع "القاهرة الإخبارية"، معتبرة أن حضورها في مهرجان كان فرصة لتعزيز مكانة النساء والسينما الأمازيغية داخل المغرب وخارجها. كما أنها أول مخرجة مغربية تُدعى لفتح حوار سينمائي مع الشباب الصيني ضمن مبادرة صينية مغربية تسعى لتعزيز التبادل الثقافي والسينمائي، مما يبرهن دورها الراسخ في التواصل بين الثقافات. إلى جانب إسهاماتها السينمائية، تقود زينب واكريم مشروعًا ثقافيًا مبتكرًا عبر بودكاست "Dramaturgia Lab" الذي يهدف لتبسيط فن المسرح والسينما و التلفزيون وبناء النصوص الدرامية للشباب المغاربة. عبر تقديم محتوى يدور حول الفرق بين النص المكتوب والمشهد الحي باستخدام أمثلة من المسرح والسينما و التلفزيون المغربي والعالمي، يسعى المشروع إلى تطوير الفكر النقدي والإبداع لدى الطلبة والفنانين الشباب. إسهامات زينب في مجال التعليم الفني توضح أهمية تكوين أكاديمي قوي يدعم صناعة السينما المغربية. وهذا ما أكده العديد من المحترفين مثل المخرج عز العرب العلوي، حيث شدد على دمج المعرفة النظرية مع التدريب العملي لتطوير المنظومة السينمائية في المغرب. زينب تمثل صورة ملهمة للشباب الطموحين في هذا المجال، حيث باتت أعمالها منصة للتعبير الفني الراقي ولرسالة إنسانية وثقافية. زينب واكريم تكسر الحواجز التقليدية وتُبرز خصوصية الثقافة الأمازيغية برؤية عالمية. مسيرتها ليست فقط دليلاً على الإمكانيات الكبيرة،بل أنها رسالة قوية عن القوة التعبيرية للمرأة في مجال الفن والسينما الدولية.
بقلم: أحمد ليديب