خيرونا 16 نونبر 2025
تعيش فئة واسعة من الشباب المغاربة في مدينة خيرونا (Girona) شمال شرقي إسبانيا أوضاعًا إنسانية مأساوية، تُجسّد الوجه المظلم للهجرة غير النظامية. أغلب هؤلاء وصلوا التراب الإسباني وهم قاصرون، محمّلين بحلم «الفردوس الأوروبي»، قبل أن يجدوا أنفسهم عالقين في دوامة من التهميش القانوني والاجتماعي، تنتهي في كثير من الأحيان بالسجن أو الترحيل.
من مراكز الإيواء إلى الشوارع
عند دخولهم إسبانيا، يُودَع القاصرون المغاربة في مراكز حماية الطفولة التابعة للحكومات الجهوية، خصوصًا حكومة كتالونيا. ورغم أن الهدف المُعلن لهذه المراكز هو الرعاية والإدماج، إلا أن الواقع يكشف عن مشاكل بنيوية عميقة: اكتظاظ، نقص في الموارد البشرية، وضعف المواكبة النفسية والاجتماعية.
هذه الأوضاع تدفع عددًا كبيرًا من القاصرين إلى مغادرة المراكز قبل بلوغ سن الرشد، ليتسكعوا في الشوارع أو يعتمدوا على المساعدات المحدودة للجمعيات المدنية، ما يفاقم هشاشتهم وعزلتهم.
بلوغ سن الرشد… لحظة الانهيار
بمجرد بلوغهم 18 عامًا، يفقد هؤلاء الشباب وضعهم القانوني كـ«قاصرين تحت الحماية»، ويصبحون ـ وفق القانون الإسباني ـ مهاجرين غير نظاميين. ويستند هذا الوضع إلى القانون رقم 4/2000 المتعلق بـ«حقوق وواجبات الأجانب في إسبانيا واندماجهم الاجتماعي»، الذي ينصّ على انتهاء الحماية عند بلوغ سن الرشد ما لم يحصل القاصر سابقًا على تصريح إقامة خاص.
لكن أغلب الشباب لا يتمكنون من الحصول على أي وثيقة إقامة قبل بلوغهم سن 18، لغياب المواكبة القانونية والمهنية داخل المراكز. وهكذا يجدون أنفسهم في الشارع بلا سكن، بلا عمل، بلا مورد، وبلا أمل.
من التهميش إلى الانحراف والسجون
في مواجهة هذا الانسداد التام، ينزلق بعض هؤلاء الشباب إلى أنشطة غير قانونية بهدف البقاء، مثل السرقات الصغيرة أو ترويج المخدرات. ومع تكرار المخالفات، ينتهي الكثير منهم خلف قضبان السجون الكتالونية.
وتشير تقارير جمعيات ميدانية في كتالونيا إلى أن نسبة مهمة من السجناء المغاربة بالمنطقة هم من الشباب الذين دخلوا إسبانيا كقاصرين، وفقدوا جميع أشكال الدعم الأسري والمؤسساتي.
الترحيل إلى المغرب… نهاية قاسية للوهم
بعد انتهاء العقوبة السجنية، تشرع السلطات الإسبانية في تنفيذ إجراءات الترحيل، وفق المادة 57 من القانون 4/2000 التي تتيح طرد الأجانب غير النظاميين أو من يُعتبرون «تهديدًا للأمن العام».
يتم الترحيل بالتنسيق بين الشرطة الوطنية الإسبانية والقنصليات المغربية، بناءً على اتفاق التعاون الثنائي الموقّع سنة 2007 بين الرباط ومدريد بشأن إعادة القاصرين والمهاجرين غير النظاميين. ويُعاد هؤلاء الشباب إلى المغرب دون أي برامج لإعادة الإدماج، ليجدوا أنفسهم في الظروف نفسها التي دفعتهم إلى المغامرة… لتبدأ الحلقة من جديد.
نداءات إنسانية وإصلاحات مؤجّلة
تطالب جمعيات حقوقية في المغرب وإسبانيا باعتماد مقاربة إنسانية جديدة، تأخذ بعين الاعتبار البعد النفسي والاجتماعي لهذه الفئة المهمّشة. كما تدعو إلى تفعيل المادة 92 من القانون الإسباني، التي تتيح تسوية وضعية القاصرين سابقًا إذا أثبتوا حسن السلوك والإقامة لسنوات داخل التراب الإسباني.
في المقابل، يتحمّل المغرب جزءًا كبيرًا من المسؤولية، إذ يبقى مطالبًا بوضع سياسات اقتصادية واجتماعية جاذبة، تُقلّل من دوافع الهجرة القاصرية التي تحوّلت إلى ظاهرة مقلقة.
خاتمة
قصة الشباب المغاربة في خيرونا تلخص مأساة جيلٍ صدّق أن أوروبا هي أرض الأحلام، ليكتشف أنها في واقع الأمر «وهم مكلف» ينتهي بالسجون أو الترحيل. ما لم يتحرك المغرب وإسبانيا بشكل جدي لمعالجة جذور المشكلة، ستظل طرق البحر والحدود البرية تعجّ بقاصرين جدد يسيرون على خطى من سبقهم… بحثًا عن حلمٍ لم يوجد يومًا.
سلوى انسي بشارة
رئيسة جمعية الريان ،
مترجمة محلفة و وسيطة اجتماعية لدى المحاكم