في عصرٍ يهرول فيه الطب نحو الأتمتة، ويصير الجسد رقما في جدول، هناك مَن لا يزال يرى المريض إنسانًا، والخلايا حكايات يجب أن تُقرأ لا أن تُقطع. أحد هؤلاء هو الدكتور مصطفى العدالي، طبيب أورام المسالك البولية، وواحد من أبرز الرواد في جراحة البروستات الروبوتية بأوروبا.
من ممرّات ديوز صنياك وضجيج الخبازات في القنيطرة إلى قاعات الجراحة في سيغن وبامبرغ الألمانية، قطع العدالي طريقًا ليس مفروشًا بالورود، بل بالأبحاث والتحديات والأسئلة المتقدة. في ملامحه صمت العالم الذي يفكر، وفي أدواته دهشة من يُصرّ أن الطب لا يُتقن إلا إذا اقترن بالفهم العميق للوجع.
سرطان البروستات… العدو الذي يرتدي قناع الصمت
يبدأ سرطان البروستات مثل وشوشة خافتة. لا ألمٌ حاد، ولا تورمٌ مفزع. بل تغيّرٌ بسيط في عادات التبول، أو خلل خفيف في القوة الجنسية، ثم يتفاقم، فيخون الجسد من داخله. لسنواتٍ طويلة، بقي هذا المرض في ظلال الأمراض الأخرى، إلى أن جاء علمٌ جديد، يضع المجهر على ما خفي.
وهنا يقف الدكتور العدالي، لا ليُقصي الورم فحسب، بل ليعيد تعريف العلاقة بين الجراح والجسد. “لا يوجد سرطانان متشابهان”، يقول، “ولا مريض يُشبه الآخر”. لأن البروستات ليست مجرد غدة، بل موطنٌ للرجولة، وللصمت، وللخوف أيضًا.
الروبوت… حين يُمسك العلم يد الجراح
في مستشفى “سودويست سيغن” وفي “روبوطيك يورولوجي سنتر”، يقود العدالي آلاف العمليات الجراحية بواسطة الروبوت. لا استعراضٌ هنا، بل دقة متناهية، تصل إلى ملليمترات، تُنقذ الأعصاب التي تمنح الإنسان قدرته على التحكم، وكرامته في الحياة اليومية.
خمس آلاف عملية وأكثر، تنوّعت بين استئصال البروستات، وترميم المثانة، وزراعة البروستات الاصطناعية. خبرة لا تُقاس بالأرقام فقط، بل بشهادة من خرج من غرفة العمليات وهو يشعر بأنه لم يُسلب منه أكثر مما أُخذ من الورم.

الشفاء لا يكون بقطعٍ… بل بتدبيرٍ ذكيّ
ما يُميز العدالي هو تلك الفلسفة التي لا تُعالج الجسد فحسب، بل تراعي كرامة المريض بعد العلاج. يؤمن بأن الجراحة ليست فقط إزالةً لورم، بل حفظٌ لرجولة، لصوت، لوجود.
لهذا أسّس برنامجه الخاص المعروف باسم ERAS – الشفاء المعزّز بعد الجراحة – الذي يُعيد للمريض جسده بسرعة، ويُقلّل من الألم، ويُخفّف من الإقامة في المستشفى، ليرجع إلى حياته بأقل ندوب ممكنة.
العدالي… بين الجراحة والحكمة
لا تقتصر إنجازاته على غرفة العمليات، بل هو حاضر في المؤتمرات الكبرى، وفي المجالس العلمية التي تصنع سياسة الطب الأوروبي الحديث. كعضو فاعل في الجمعية الأوروبية للمسالك البولية، والمجتمع الألماني للجراحة الروبوتية، يظل صوته مسموعًا، وأثره بادٍ.
وهو، مع ذلك، لا ينسى من أين أتى. في لقاءاته الصحفية، يتحدث عن ضرورة كسر “تابوهات” الصحة الجنسية، وعن أهمية الحديث المفتوح مع الرجال عن سرطان البروستات، والخصوبة، والضعف الجنسي، بدون خجل ولا مواربة.
وإذا سألتَه عن السرطان؟
لن يُجيبك العدالي بنسبٍ أو رسوم بيانية، بل بنبرة من يُدرك الألم الإنساني:
“السرطان لا يُهزم بالجراحة وحدها… بل يُهزم حين نحترم المريض، ونفهم مخاوفه، ونمشي معه خطوة خطوة في درب الرجاء.”

الدكتور مصطفى العدالي… حين يتحول الطب من مهنة إلى رسالة
في سيرته الطبية، صفحات علمية لا تُحصى، وجراحات استثنائية نُقلت في مؤتمرات عالمية، ومقالات تثقيفية تسعى لكسر الحواجز بين الطبيب والمريض.
لكن في سيرته الإنسانية، هناك رسالة واحدة، تتردد في كل ما يكتب، ويُجري، ويُعلّم:
“أن نُعالج المريض لا الورم… أن نُعيده إلى بيته، إلى ضحكته، إلى رجولته… تلك هي الغاية الكبرى.”
هكذا يُمارَس الطب، وهكذا يُكتب عنه.

مصطفى العدالي، طبيب ألماني من أصل مغربي، يُعد من أبرز الأسماء في مجال جراحة المسالك البولية وجراحة المسالك البولية الروبوتية على المستوى الدولي. يشغل حالياً منصب رئيس قسم جراحة المسالك البولية وجراحة المسالك البولية للأطفال في مركز البروستاتا Südwest بمدينة زيغن بألمانيا، وهو أيضاً المؤسس والمدير لمركز جراحة المسالك البولية الروبوتية الدولي في زيغن. بالإضافة إلى ذلك، يعمل استشارياً وجراحاً روبوتياً في قسم المسالك البولية بمؤسسة Sozialstiftung في بامبرغ، وأستاذاً محاضراً بكلية الطب بجامعة لاتفيا.
حصل العدالي على لقب زميل المجلس الأوروبي لجراحة المسالك البولية (FEBU) وشهادة المستشار الرسمي للجمعية الألمانية لطب السلس البولي، كما تولى مناصب قيادية في مستشفيات ومراكز طبية مرموقة بألمانيا، منها مستشفى سانت أنطونيوس في غروناو. مسيرته العلمية غنية بالزمالات والتدريبات الدولية، بما في ذلك خبرات متقدمة في جراحات البروستاتا والمثانة باستخدام الروبوت في الولايات المتحدة، السويد، ومصر.
إلى جانب عمله الإكلينيكي، ساهم العدالي في تأليف فصول في كتب طبية مرجعية، وشارك في العديد من المؤتمرات الدولية بعروض ومحاضرات حول أحدث التقنيات الجراحية الروبوتية. يتحدث عدة لغات منها العربية والألمانية بطلاقة، بالإضافة إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، مما مكنه من التواصل العلمي والطبي على نطاق واسع.