في سابقة تاريخية غير مسبوقة في الولايات المتحدة، فاز السياسي الأميركي زهـران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك ضمن الانتخابات البلدية لعام 2025، ليصبح بذلك أول مسلم وأصغر عمدة في تاريخ المدينة، وأول أميركي من أصول هندية يتولى هذا المنصب. ويُعدّ هذا الفوز تحولًا نوعيًا في المشهد السياسي الأميركي، خاصة في مدينة تُجسّد التنوع الثقافي والعرقي مثل نيويورك.
كان ممداني، الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي التقدمي، قد أعلن ترشحه في أكتوبر 2024، وتمكن من التفوق على الحاكم السابق أندرو كومو بعد حملة انتخابية واسعة اعتمدت على التواصل المباشر مع الناس في الأحياء الشعبية من بروكلين إلى برونكس، ومن كوينز إلى مانهاتن.
وقد ركّز برنامجه الانتخابي على العدالة الاجتماعية والاقتصادية، خافضًا تكاليف المعيشة، وداعمًا للنقل العام المجاني والرعاية العامة للأطفال، ومتعهدًا بتجميد الإيجارات وتوسيع الإسكان الميسور ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 دولارًا بحلول عام 2030. كما دعا إلى فرض ضرائب تصاعدية على الشركات الكبرى والأثرياء.
إلا أن مواقفه من القضية الفلسطينية أثارت جدلاً واسعًا، إذ عبّر عن دعمه الصريح لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، ومعارضته الواضحة للصهيونية، ما جلب عليه انتقادات من بعض الجهات المؤيدة لإسرائيل، في مقابل تأييد واسع من المنظمات الحقوقية والتيارات التقدمية داخل الولايات المتحدة.
الخطاب التاريخي لزهـران ممداني: "هذا النصر ليس لي وحدي"
في مساء إعلان فوزه، ألقى ممداني خطابًا وصفه الإعلام الأميركي بالتاريخي، جمع بين الصدق الإنساني والرؤية السياسية العميقة، حيث قال:
**"أيها الأصدقاء،
مساء هذا اليوم التاريخي، أقف أمامكم لا كسياسي منتصر، بل كابنٍ لمدينةٍ عظيمةٍ آمنت دومًا بقوة التنوّع والإصرار والأمل. إن هذا النصر ليس لي وحدي، بل لكل من حلم أن تكون نيويورك مدينةً تُنصت إلى صوت الناس، لا إلى نفوذ المال.اليوم، أعلن معكم بداية مرحلةٍ جديدة، مدينةٌ تُدار بروح العدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية. لقد خضنا هذه الحملة من الأحياء الشعبية، من بروكلين إلى برونكس، ومن كوينز إلى مانهاتن، لأننا نؤمن أن التغيير الحقيقي يبدأ من الشارع، لا من ناطحات السحاب.
شكري الأول لكل المتطوعين، للمعلمين، للسائقين، للممرضين، للمهاجرين الذين صوّتوا لأول مرة، ولكل من وقف في طوابير طويلة مؤمنًا بأن صوته يمكن أن يصنع الفرق. أنتم من جعل هذا الحلم واقعًا.
أتعهد بأن تكون هذه الإدارة صوتًا للذين لم يكن لهم صوت:
- سنجعل السكن حقًا لا امتيازًا.
- سنحارب الفقر لا الفقراء.
- سنعيد الاعتبار للخدمات العامة، للمدارس والمستشفيات، للنقل العام الذي يربط حياتنا ببعضها.
- وسنواجه كل أشكال العنصرية والتمييز، سواء كانت في الشارع أو في المؤسسات.
إن نيويورك، المدينة التي احتضنت والديّ عندما قدما كمهاجرين من أوغندا، تعلّمني اليوم أن الانتماء ليس وراثةً ولا لونًا ولا لغة، بل التزام بالعدالة.
أيها الأصدقاء، هذا الفوز يثبت أن السياسة يمكن أن تكون عمل حبٍّ لا سلطة، وأننا حين ننظّم صفوفنا ونثق ببعضنا البعض، يمكننا أن نغيّر مصير مدينتنا.
أمدّ يدي إلى جميع من لم يصوّتوا لي. لقد اختلفنا في الرأي، لكننا نتشارك نفس المدينة ونفس المصير. فلنبدأ العمل معًا من أجل مدارس أفضل، شوارع أكثر أمانًا، واقتصاد أكثر عدلاً.
دعونا لا نسمح بأن يصبح هذا النصر مجرّد لحظة، بل بداية لحركةٍ دائمة، تُعيد تعريف معنى القيادة في القرن الواحد والعشرين: قيادة تستمع، تخدم، وتتعلم.
نيويورك، المدينة التي لا تنام، تستحق أن تحلم من جديد.
شكرًا لكم جميعًا، وشكرًا لنيويورك، المدينة التي علمت العالم أن التنوع قوة، وأن الأمل لا يموت أبدًا."**
يُجسّد فوز زهـران ممداني لحظة فارقة في تاريخ السياسة الأميركية، حيث يُظهر كيف يمكن لقيم العدالة والتنوع أن تتحول من شعارات إلى واقع ملموس. وهو يؤكد أن الولايات المتحدة، رغم انقساماتها، ما زالت قادرة على إنتاج قادة يعبرون عن وجدان شعبها الحقيقي.