FR AR
شارك على :

المغرب منارة الهوية الروحية ورافعة الإستقرار في إفريقيا والعالم.

شكل المملكة المغربية وعبر تاريخها العريق ومؤسساتها الروحية الراسخة، نموذج استثنائي في بناء نسق ديني متوازن يقوم على الإعتدال والوسطية، ويحصن المجتمع من كل نزعات التطرف والإنحراف التي تتستر برداء ديني زائف لا يمت إلى روح الإسلام بصلة. لقد أسهمت الحركات الصوفية المغربية وزواياها الممتدة في عمق القارة الإفريقية، إلى جانب تنظيم الحقل الديني وإرساء مرجعية الإفتاء عبر المجلس العلمي الأعلى، في ترسيخ هذا النموذج الفريد الذي منح المملكة مكانتها الروحية على المستويين الإقليمي والدولي.

لقد عبر جلالة الملك محمد السادس أمير المؤمنين، بوضوح عن هذه الثوابت في خطاب العرش لسنة 2015، عندما أكد أن الهوية المغربية الأصيلة، القائمة على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني، تمثل أمانة تاريخية يجب صونها والدفاع عنها. فجلالته نصره الله ذكر بأن المغاربة ضحوا بأرواحهم في الحروب العالمية، ونفي الملك المجاهد محمد الخامس طيب الله ثراه، دفاعا عن قيم روحية وإنسانية خالدة، وأنه لا موجب للتخلي عن هذه الثوابت أو الإرتماء في أحضان مذاهب دخيلة لا تمت لتربية المغاربة وأخلاقهم بأية صلة. تلك كانت رسالة ملكية واضحة تستبطن رؤية إستراتيجية لتحصين الأمة، وبناء مناعة دينية راسخة تحفظ الأمن الروحي والسلم المجتمعي.
فالمؤسسة الملكية و باعتبار جلالة الملك أمير المؤمنين، ليست فقط ضامنة لوحدة الأمة الدينية، بل أيضا حامية لإستمراريتها السياسية والدستورية. فالملك وفق دستور 2011، هو رئيس الدولة وحامي المؤسسات، و يجسد وحدة البلاد في ظل مفهوم متقدم لفصل السلط، يوازن بين الشرعية الديمقراطية والشرعية التاريخية و الروحية. وهذا التوازن هو الذي مكن المغرب من تقديم نموذج سياسي رائد يزاوج بين الحداثة والعمق الروحي، و بين العقل والموروث و بين إنشغالات الحاضر وثوابت الهوية.
فلا يمكن إدراك قوة الهوية المغربية إلا بفهم تركيبتها الغنية والمتجانسة،من إسلام سني معتدل و أمازيغية وعربية وعبرية وامتداد إفريقي ومتوسطي وأندلسي ،إنه رصيد حضاري زاخر بالتنوع الثقافي وكلها عناصر تتفاعل لتشكل حصنا منيعا ضد التطرف ومختبرا فريدا لإنتاج قيم التعايش والإنسانية. لذلك لم يكن الإمتداد الروحي المغربي نحو إفريقيا وليد صدفة، بل كان عبر قرون أداة لإشاعة السلم وتثبيت القيم الأخلاقية وتعزيز الروابط الاجتماعية، قبل أن يتحول اليوم إلى جسر إستراتيجي لمواجهة التحديات الأمنية الكبرى التي تضرب القارة السمراء.
وقد أكد المغرب ريادته الروحية بإطلاق "مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة"، التي أصبحت فضاء جامعا لعلماء القارة من أجل نشر القيم السمحة للإسلام والتصدي للهجمات الفكرية والتنظيمات المتطرفة، و هنا تبرز أهمية هذا الدور المغربي الذي يجمع بين القوة الروحية والرؤية الأمنية المتبصرة. والمملكة المغربية و من هذا المنطلق، لا ترى في إفريقيا مجرد مجال تعاون إقتصادي، بل فضاء مشترك لبناء مستقبل آمن ومستقر. وقد شدد جلالة الملك على هذا البعد في أكثر من مناسبة، مؤكدا جلالته أن المغرب يسعى إلى دعم جهود الدول الإفريقية لبناء إقتصادات قوية، وتكوين مواردها البشرية، والاستثمار في القطاعات الحيوية. إنها رؤية تنطلق من الوعي بأن إفريقيا و بما ترمز إليه من عمق إستراتيجي، ليست مجرد امتداد جغرافي بل هي مجال قيم وروابط إنسانية وروحية ممتدة. كما لم يكن هذا النهج بعيدا عن أنظار الشركاء الدوليين، فقد أشادت باريس، ومؤسسات أوروبية وغربية فاعلة، بالدور المغربي في تحصين إفريقيا من التطرف، معتبرة أن النموذج الديني المغربي أصبح مرجع عالمي في تدبير الشأن الديني ومحاربة الفكر المتشدد. كما أكدت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، في تقارير متعددة، أن المقاربة الروحية والأمنية المغربية ساهمت في تعزيز السلم الإقليمي وتحجيم التهديدات الإرهابية.

ختاما، في عالم يموج بالأزمات الفكرية والسياسية والأمنية، يظل المغرب ثابت في موقعه،و منارة مضيئة تنشر نور الإعتدال والوسطية ، وتدعو إلى نموذج دولي أكثر إنصافا قوامه الإحترام المتبادل وإعلاء القيم الروحية وتعزيز جسور التواصل بين الشعوب والأمم . ومن قلب هذا الإمتداد الروحي نحو إفريقيا والعالم، تبرز دعوة المغرب الدائمة إلى جعل الدين مصدر للتلاقي لا التنافر، وإلى بناء عالم يسوده السلم ويكرم فيه الإنسان.

د/الحسين بكار السباعي 
محلل سياسي وخبير إستراتيجي.

Région
Rabat - Salé - Kénitra
Souss - Massa
Partager sur :