في وقت تتسارع فيه وتيرة التحولات الثقافية والاجتماعية بالمغرب، يبرز مهرجان إدرنان كأحد المبادرات المحلية التي تسعى إلى حماية الذاكرة الجماعية وإعادة الاعتبار للثقافة الأمازيغية. فقد احتضنت مدينة تيزنيت، يوم السبت 20 دجنبر 2025، فعاليات النسخة السابعة من مهرجان إدرنان، في إطار برنامج ثقافي ممتد من 05 إلى 30 دجنبر، تحت شعار: "إدرنان: عمق ثقافة وتراث متجدد".
المهرجان، الذي تنظمه جمعية إدرنان للثقافة والتراث بدوار اكروما، جماعة أنزي، إقليم تيزنيت، لم يكن مجرد سهرة فنية عابرة، بل شكل فضاء للتلاقي بين الفنانين، والفاعلين الجمعويين، وساكنة المنطقة، في محاولة لإحياء التراث المحلي وربطه بأسئلة الحاضر.
حضور وازن ورسائل متعددة
الأمسية الفنية عرفت حضورا لافتا لفعاليات ثقافية وفنية وجمعوية، إضافة إلى جمهور غفير من محبي الفن الأمازيغي. وفي كلمته الافتتاحية، شدد رئيس جمعية إدرنان للثقافة والتراث على أن المهرجان يهدف إلى صون الموروث الثقافي المحلي، وتعزيز الهوية الأمازيغية، باعتبارها ركيزة أساسية من ركائز الهوية المغربية المتعددة.
لكن، يطرح هذا الخطاب سؤالا جوهريا: إلى أي حد تستطيع المبادرات الجمعوية المحلية، بإمكاناتها المحدودة، أن تتحول إلى رافعة حقيقية للتنمية الثقافية بالمنطقة؟
البرنامج الفني جاء متنوعا، جامعا بين الموسيقى والسينما، حيث أبدعت مجموعة نسمة أمال في تقديم عروض فنية تفاعل معها الجمهور، قبل أن تنتقل الأمسية إلى لحظة سينمائية مميزة من خلال عرض فيلم "بيمرواين" للمخرج محمد أوباني، ابن جماعة أنزي.
الفيلم، الذي لقي استحسانا كبيرا، أعاد فتح النقاش حول دور السينما الأمازيغية في نقل قضايا الإنسان المحلي وهمومه، وإمكانية توظيف الصورة كوسيلة لحفظ الذاكرة الجماعية في مواجهة النسيان.
كما شاركت في الأمسية كل من مجموعة ينبكيون، والفنانة نادية الغرباوي، إلى جانب مجموعة محند أيت مازيرت والفنان محمد المرجان، حيث قدموا لوحات فنية عكست غنى وتنوع التراث الأمازيغي، من حيث الإيقاع، واللغة، واللباس، والرقصات التقليدية.
وتخللت فقرات المهرجان لحظة تكريم عدد من الشخصيات التي أسدت خدمات جليلة للفن والثقافة. وهي خطوة اعتبرها متابعون ضرورية لرد الاعتبار لفاعلين اشتغلوا في صمت، غير أن البعض يرى أن هذه المبادرات تحتاج إلى توثيق مؤسساتي ودعم رسمي حتى لا تبقى مجرد لحظات رمزية.
واختتمت الأمسية برفع برقية الولاء والإخلاص إلى جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في تعبير عن التشبث بالعرش العلوي المجيد وروح المواطنة، وهو تقليد بات حاضرا في مختلف التظاهرات الثقافية، ويعكس الارتباط بين الثقافة المحلية والانتماء الوطني العام.
أسئلة مفتوحة
ورغم النجاح التنظيمي والفني، يظل مهرجان إدرنان أمام تحديات حقيقية، من بينها:
محدودية الدعم المادي واللوجستي،
الحاجة إلى إشراك الشباب بشكل أوسع،
وتسويق المنتوج الثقافي محليا ووطنيا.
فهل سينجح مهرجان إدرنان في التحول من موعد احتفالي سنوي إلى مشروع ثقافي مستدام؟
وهل ستلتقط المؤسسات الرسمية هذه المبادرات لدعمها وجعلها رافعة حقيقية للتنمية الثقافية بإقليم تيزنيت؟
أسئلة تبقى مفتوحة، في انتظار دورات قادمة قد تحمل الإجابة.