قلبٌ لا يهاب أحدًا وعزّة نفسٍ تعانق السماء
يا من تمشي في درب الحقيقة، تمهّل قليلًا، واصغِ لصوتٍ في داخلك لا يخاف ولا يرتجف، ذاك الصوت الذي وُلد قبل الكلمات، حين قال الله: "ألستُ بربكم؟ قالوا بلى". هناك، في تلك اللحظة الأولى، وُلد القلب الذي لا يهاب أحدًا، لأنه عرف وجه الله قبل أن يرى وجوه الناس.
القلب الذي لا يهاب أحدًا، هو القلب الذي عاد إلى أصله، إلى الطمأنينة التي لا يُعكرها خوف ولا رغبة. قلبٌ غسلته التجارب، وصقلته النيران، حتى صار كالمرآة: لا يحتفظ بشيء إلا بنور الله. لا يعلو صوته، ولا يتباهى بقوّته، بل يمضي في سكينة العارفين، الذين ذاقوا طعم الحرية من قيد التملّق، ومن عبودية المظاهر.
العارفون يقولون: "من عرف نفسه استراح من الخلق"، لأن من رأى الحقيقة أدرك أن العزّة ليست في الارتفاع فوق
الناس، بل في الارتفاع فوق الحاجة إليهم. عزّة النفس ليست كبرياءً، بل طهارة؛ ليست استعلاءً، بل حفاظٌ على النور الداخلي من أن تُطفئه أنفاس الطامعين.
حين يتصل القلب بالحق، تتهاوى الجبال أمامه، لأن قوّته ليست منه، بل من النور الذي يسكنه. وما العزّة في جوهرها إلا حجابٌ من نور، يصون الروح من أن تنكسر أمام الزيف. صاحبها لا يخاصم أحدًا، ولا ينافس أحدًا، لأنه أدرك أن نصيبه مكتوبٌ منذ الأزل، وأن الخلق مجرى للقدر لا مصدر له.
قلبٌ كهذا لا يهاب أحدًا، لأنه لا يرى سوى الله في كلّ وجهٍ يراه، ولا يسمع سوى صدى الكلمة الأولى التي نادت فيه بالوجود. وإذا رفعت عزة نفسه رأسها نحو السماء، فلأنها تعرف أن أصلها من هناك، وأن الأرض لا تسع من سكنه معنى الحرية الإلهية.
يا من تسعى لأن تكون حرًّا، اجعل خوفك من أن تُطفئ نورك برغبةٍ زائلة، لا من أن يعاديك أحد. وازرع في قلبك يقينًا أن من توجّه إلى الله بكليّته، لم يَهِب أحدًا، لأنّه رأى في كلّ ما سواه ظلًّا فانيًا.
فكن ذلك القلب، وارتقِ بتلك العزّة؛ لا لتعلو على الخلق، بل لتقترب من الخالق. كن عزيزًا لا لأنك تملك، بل لأنك غنيّ بالله، وكن شجاعًا لا لأنك لا تخاف، بل لأنك ترى خلف كلّ خوفٍ وجهًا من وجوه الرحمة.
وهكذا، حين تصفو روحك وتطمئن، ستدرك أن الحرية الحقّة ليست في أن لا تُقيَّد، بل في أن لا تُؤسَر بالرهبة من غير الله. عندها فقط، تعانق عزة نفسك السماء، ويصير قلبك من قلوب أولياء الله، التي لا تهاب أحدًا، لأنها ذابت في نور من لا يُخاف منه إلا هيبته.
يا ربّ، اجعل قلبي حرًّا من كلّ خوفٍ سواك،
وعزّتي منسوجةً بخيوط رضاك،
علّمني أن أرى في كلّ ابتلاءٍ وجه رحمتك،
وفي كلّ طريقٍ ضيقٍ بابًا نحوك.
فإن كنتَ معي، فممّن أخاف؟
وإن أنرتَ قلبي، فبأيّ ظلمةٍ أُصاب؟
بقلم: رجاء التوبي – عاشقة للوطن 🇲🇦