اتخذت حكومة تصريف الأعمال التي يترأسها نور الدين بدوي خلال الأيام القليلة الماضية، ثلاث قرارات تصب في إطار ترقية استعمال اللغة الإنجليزية بدلا عن الفرنسية في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، و فيما حظيت تلك القرارات برود أفعال إيجابية في منصات النقاش عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تعالت أصوات تؤكد بأنها قرارات سياسية تصب في إطار التهدئة لشعبية، ولن تجد طريقها على أرض الواقع على اعتبار أن المشروع تمت عرقلته منذ التسعينات من قبل قوى التيار الفرانكفوني.
قرارات رسمية لترقية الإنجليزية
لقي إعلان وزير التعليم العالي والبحث العلمي الطيب بوزيد، إطلاق عملية سبر آراء حول تعزيز استعمال اللغة الانجليزية في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، استحسان الاسرة الجامعية، وأكد الوزير في منشور له يوم الـ28 من شهر جوان الماضي بأن وزارته شرعت فعليا في استقاء آراء الأساتذة والطلبة والمسؤولون جامعيون، و هي الآراء التي تم توثيق عيِّناتٌ منها في شكل فيديوهات وتصريحات ميدانية، قال بأنه سيشرف على طرحها للنقاش خلال الأسبوع المقبل”.
وفي السياق، كشف وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، تيجاني حسان هدام، الإثنين 1 جويلية، بأنه سيتم مع الدخول الجامعي المقبل “الشروع في التكوين باللغة الإنجليزية في هذه المدرسة كتجربة أولى لتمكين البلدان الإفريقية خصوصا تلك الناطقة بالإنجليزية الاستفادة من خدمات هذه المدرسة العليا وذلك في إطار “المسعى الرامي إلى تعزيز دور هذا الصرح العلمي على المستوى الإقليمي والقاري في مجالات التكوين.
وكثالث إجراء في نفس الإطار، أعلنت وزارة التربية الوطنية في نفس اليوم 2019عن إلغاء امتحان اللغة الفرنسية في مختلف الامتحانات المهنية الخاصة بالترقية لجميع الأسلاك والرتب بقطاع التربية وذلك بعدما كانت الوزير السابقة نورية بن غبريت قد جعلت اللغة الفرنسية إلزامية في كل التخصصات، وألغت القرار الوزاري الذي يخير الممتحن في اختيار اللغة الأجنبية التي يرغب فيها.
مطلب طلابي
في جولة بين أروقة المعهد العالي للترجمة في الجزائر العاصمة، استطلت TSAعربي، أراء بعض الطلبة حول قرار وزارة التعليم العالي الرامي إلى ترقية استعمال اللغة الإنجليزية في الجامعات، حيث تحدثنا إلى الطالبة سهام/ح المسجلة ضمن صفوف الدروس المكثفة الخاصة، والتي تعتقد بأن الوقت قد حان لاستبدال اللّغة الفرنسية بالإنجليزية، مشيرة إلى “أن الكفة في العالم ترجّح اللّغة الانجليزية كوسيلة اتصال بين شعوب العالم من جهة، ومن جهة أخرى باتت اللغة المعتمدة في أكبر الجامعات وفي مراكز الأبحاث والدراسات”، وتضيف محدثتنا “بالنسبة لي كطالبة أرى أن التفوق والبحث عن منح في جامعات أجنبية ومزايا أخرى في التوظيف مثلا تتطلب مستوى معين في اللّغة الانجليزية.
في المقابل تقول ذات المتحدثة أن مقترح استبدال الفرنسية بالإنجليزية يجب أن ينطلق من المدرسة الابتدائية حتى يتمكّن الجيل القادم من اكتساب هذه اللغة والاعتماد عليها في المرحلة الجامعية وما بعد التدرج، مضيفة “حسب تجربتي واحتكاكي مع طلبة من مختلف التخصصات هناك إجماع شبه كلي على التوجه نحو دراسة هذه اللغة وتصنيفها كلغة ثانية بعد اللغة العربية في الجزائر، حيث لاحظت أن هناك قابلية كبيرة لتعلم الانجليزية من قبل الطلبة والعديد منهم لجأ إلى المدارس الخاصة لتحسين مستواه، لذلك فالانتقال نحو الانجليزية سيكون سلس خاصة للأجيال القادمة ولن يؤثر بصورة كبيرة عليهم “.
من جهتها ترى الطالبة أسماء/ي (سنة ثانية تخصص رياضة)، بأن فكرة ترقية استعمال الإنجليزية في الجامعات مغرية على اعتبار أن الإنجليزية لغة تواكب التطور العلمي و التكنولوجي في الدول المتقدمة. وتثير محدثتنا مشكل “شح المصادر العلمية للبحوث باللغة الفرنسية والتي لا تتجاوز حسبها 5٪”. في المقابل نفس الطالبة تخوفها من إشكالية التكوين المرتكز عل اللغة الفرنسية منذ سنوات الدراسة في الابتدائي وصولا إلى الجامعة. وهو نفس الاشكال بالنسبة للأساتذة والدكاترة الجامعيين الذين تلقى جلهم تعليما وتكوينا فرنسيا، وهو ما يدعو حسبها للتساؤل عن آليات المرحلة الانتقالية للجامعة خاصة فيما يتعلق بتخصصات البيولوجيا، الصيدلة، الطب البيطري، طب الأسنان والطب.
أسئلة طرحناها على الأستاذ المتخصص في مجال سيميولوجية اللغات في جامعة وهران قدور عبد الله تامي، والذي يبدي في تصريحه لـTSAعربي، ترحيبا كبيرا بمشروع الانتقال الى اعتماد اللغة الإنجليزية كلغة ثانية في مجال التعليم العالي و البحث العلمي، مؤكدا “إذا أردنا ترقية الجامعة الجزائرية فليس لدينا بديل غير اللغة الإنجليزية، فكل العمل البحثي المتعلق بالدراسات العليا له علاقة بالإنجليزية، فحتى فرنسا تدفع الباحثين إلى العمل باللّغة الإنجليزية”.
وعلى مستوى آليات تطبيق المشروع، يرى محدثنا بأنه لابد بداية من إرادة سياسية واضحة في هذا الخصوص تعتمد أساسا على تحفيز الأساتذة الجامعيين، والتصدي للقوى التي تقف وراء افشال هذا المشروع منذ سنوات التسعينيات. ويؤكد محدثنا بأن الصراعات الإيديولوجية في الجامعة الجزائرية بين تياري المعربين والفرانكوفونيين كانت سببا في احباط ترقية اللغة الإنجليزية. وهو ما يجب التصدي إليه حاليا بعدما ثبت تحكّم اللغة الانجليزية في زمام البحث العلمي في العالم. ويوضّح الأستاذ عبد الله تامي بأن” الفرنسية كانت تركة من الاستعمار الفرنسي جعلتنا نراوح مكاننا لسنوات طويلة، ولابد اليوم من تجاوز الأمر فالحقيقة تقول أن 93 بالمائة من البحوث الصادرة في العالم انجليزية فيما تتقاسم باقي لعات العالم النسبة المتبقية من البحث العلمي”.
آليات علمية للتنفيذ
من جانبه يؤكد المنسق الوطني لمجلس أساتذة التعليم العالي عبد الحفيظ ميلاط، دعم أساتذة الجامعات لمشروع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الذي يقول إنه ورغم تأخره إلا أنه لابد من العمل به بغض النظر عن المتحدثين عن صعوبات تحقيقه. ويؤكد ميلاط في حديثه لـTSA عربي، بأن “نقابة الكناس طالبت بالانتقال الى تدريس المواد العليمة و التقنية باللغة الإنجليزية منذ سنوات، على اعتبار ان اللغة الفرنسية لم تعد تستوعب التطور العلمي و التكنولوجي”، مضيفا “حتى في الجامعات الفرنسية الكبرى توجهت الى تدريس المواد العلمية بالإنجليزية، وعليه لن نحب الفرنسية أكثر من الفرنسيين”.
ويؤكد ميلاط أن كل الذين يتحدّثون عن استحالة تحقيق المشروع من منطلق عدم توفير المؤطرين، هم من يريد إفشال ترقية استعمال اللغة الانجليزية، مشيرا إلى حقيقة أن كل الباحثين في التخصصات العلمية يكتبون بحوثهم باللّغة الإنجليزية كما أن مشاركاتهم في الملتقيات الدولية تكون باللّغة الإنجليزية.
ويطرح ميلاط في المقابل إشكالية شح المراجع باللغة الفرنسية وهو ما يزيد من تأخر الجامعة الجزائرية التي يمكنها تجاوز ذلك من خلال الانتقال الى اعتماد اللغة الإنجليزية. مشددا “اللغة الفرنسية لم تعد لغة العلم”
أما عن آليات تحقيق هذا المشروع فيحذر ميلاط من التسرع في تنفيذه على ارض الواقع، مؤكدا لابد من التدرج في اعتماده من خلال ادخال الإنجليزية للجامعات الكبرى ومن ثمة الانتقال تدريجيا الى باقي الجامعات عبر كل ولايات الوطن. كما يقترح ميلاط أن يتم تدريسها على مستوى الماستر و ليس الليسانس على اعتبار ان تكوين الطلبة باللغة الفرنسية مع رفع المقياس الساعي للإنجليزية من ساعة و نصف الى ثلاث ساعات في سنوات الليسانس و ذلك لتكثيف التكوين بهذه اللغة .
ولا يخفي ميلاط صعوبة الانتقال الى اعتماد اللغة الإنجليزية في الجامعات الجزائرية، مؤكدا بان المشروع يتطلب الكثير من الجدية والجهد والإرادة السياسية القوية.