من المرتقب أن تعتمد الحكومة، قريبا، سياسة إعلامية جديدة للتعامل بها مع المستجدات الإقليمية والدولية التي تكون الجزائر ومؤسساتها الرسمية طرفا فيها. وحسب مصادر على صلة بالملف، فإن "الحاجة باتت ماسة جدا لسياسة إعلامية جديدة للتصدي للحملات التي تشوّه الحقائق".
تحرّك الحكومة الذي جاء بمبادرة من وزير الخارجية، عبد القادر مساهل، يرمي أولا إلى إعادة الاعتبار لمديرية الاتصال والإعلام والتوثيق بوزارة الخارجية، بصفتها الجهة الرسمية الوحيدة لحد الآن المخولة التعبير عن المواقف الجزائرية من القضايا الإقليمية والدولية، وذلك بإعادة بعث مصلحة الإعلام الخارجي الذي توجد على الورق فقط ولم يتم تفعيلها رغم مرور سنوات عدة على اعتماد الهيكل الإداري الحالي لوزارة الشؤون الخارجية.
هذه الضرورة باتت مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، وذلك بعد تلقي الجزائر عدة ضربات من طرف المنظمات الدولية والإقليمية، خاصة في قضية الهجرة السرية التي أصبحت تشكل مصدر قلق دائم للخارجية وباقي مؤسسات الدولة، التي تتعاطى لحد الآن مع هذه الضربات بأسلوب غير منسجم وانعدام التنسيق مع باقي الدوائر الوزارية ذات الصلة بأزمة الهجرة. وخلال الأشهر الماضية، صار الخطاب الجزائري بشأن هذا الملف "متحركا" وموزّعا بطريقة عشوائية بين الهلال الأحمر الجزائري ووزارة التضامن الوطني ووزارة الداخلية ووزارة الخارجية، فيما انحصر دور وزارتي الداخلية والدفاع الوطني في توقيف وتوفير التغطية الأمنية لعمليات الترحيل الموقّع بشأنها اتفاقيات ثنائية مع حكومات دول المهاجرين.
وفي هذه الأثناء، وظّفت دول إقليمية لوبياتها في أوروبا لتوجيه ضربات موجعة للجزائر عشية كل موعد إفريقي هام. ولعل آخرها قمة الاتحاد الإفريقي الأسبوع الماضي في موريتانيا، حيث ذهب الوفد الجزائري إلى هناك وهو مكبّل اليدين مضطرا للرد على استفسارات المشاركين ووسائل الإعلام الغربية حول مزاعم بوجود معاناة للمهاجرين الأفارقة في الجزائر وقيامها بترحيلهم في ظروف غير إنسانية والتخلي عنهم في الصحراء.
وضمن هذا المنظور، علمت "الخبر"، أن الحكومة بصدد تبني سياسة إعلامية خارجية جديدة تقوم على اضطلاع وزارة الخارجية دون سواها بالرد على الحملات الإعلامية الأجنبية وتوضيح الحقائق للرأي العام الدولي، واقتصار المؤسسات والهيئات الوطنية الأخرى بالخطاب الرسمي الذي ستقع مسؤولية الترويج له ونشره مصالح وزارة الخارجية داخل الجزائر وخارجها عبر المحلقين الإعلاميين والثقافيين على مستوى البعثات الدبلوماسية.
وتتخوف الجزائر أن تصير خلال الأسابيع القادمة هدفا لمزيد من الضغوط الأوروبية في معالجة ملف الهجرة، في شكل حملات إعلامية تنتقد ظروف معيشة المهاجرين، خاصة بعد أن تحولت بعض مناطق الجنوب إلى مقر إقامة وتوطين لأعداد هائلة من هؤلاء (500 ألف شخص حسب تصريحات السفير الإيطالي في الجزائر)، لاسيما في ظل غياب تنسيق وخطة موحدة مع دول الجوار، تونس وليبيا والمغرب، إذ بينت أزمة الهجرة كيف أن كل دولة تسعى للحفاظ على مصالحها الخاصة، وكيف أن كل دولة تخشى أن تكون كبش فداء لجيرانها، خاصة بعد لجوء الاتحاد الأوروبي لسياسة المساومة بالتأشيرات، مقابل القبول بإقامة مراكز فرز لطالبي اللجوء والمهاجرين الأفارقة فوق أراضيها.
وتؤكد مصادر على صلة بملف الهجرة في الجزائر، أن الجانب الأوروبي غير ملتزم بتعهداته في تزويد الدول المصدرة للمهاجرين والدول التي يعبرها هؤلاء للوصول الى أوروبا، بالإمكانيات المطلوبة لمكافحة تدفقات المهاجرين وعصابات الاتجار بالبشر، التي تشرف عليها أطراف أوروبية تتعامل مع أخرى في الضفة الإفريقية، مشيرة إلى أن كل ما تروجه الحكومات الأوروبية حول ما سيتم تقديمه من مساعدات لهذه الدول مجرد دعاية وغسل الصورة القاتمة التي لصقت بهم بسبب وقوفهم وراء معاناة الدول الإفريقية وعلى رأسها ليبيا منذ 2011.
وترى ذات المصادر، أن الاتحاد الأوروبي، فضلا عن تشديد إجراءات منح التأشيرة، يشجع بطرق غير مباشرة استمرار تدفقات المهاجرين الأفارقة باتجاه الجزائر، وهو ما قد يشكل غزوا بشريا واسعا في إطار ضغوطه عليها لدفعها من أجل تحمّل المزيد من الأعباء المالية والمعنوية، من خلال استنزافها في عمليات ترحيل مئات المهاجرين إلى النيجر ومالي والسنغال وليبريا.
وكانت منظمات غير حكومية دولية اتهمت الجزائر في الآونة الأخيرة بتوقيف وترحيل المهاجرين من دول جنوب الصحراء بشكل جماعي، في ظروف "غير إنسانية" ودون اعتبار للوضع القانوني للعديد من الحالات. ويشار إلى أنه منذ سنة 2014 قامت الجزائر بترحيل أكثر من 33 ألف مهاجر من دول جنوب الصحراء نحو بلدانهم.