بلغت الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي، حول قضية الهجرة غير الشرعية، مستوى يضرب الوحدة والتكامل المنشود داخل المجموعة، في الصميم، ومع تحقيق الأحزاب اليمينية القوية نتائج جد إيجابية في انتخابات معظم الدول، باتت مطالب إعلاء السيادة الوطنية على حساب السيادة المشتركة في أفضل رواق.
أعادت سفينة أكواريوس التي تسيرها المنظمة الانسانية أطباء بلا حدود، في 10 جوان الجاري، مسألة الهجرة إلى الواجهة في أوروبا، وساهمت في فضح التصورات «السيادية» لكل دولة داخل المجموعة الأوروبية، بشكل حتم على المسؤولين الأوروبيين التخلي عن العبارات الانتقائية للتقليل من حجم الخلافات.
ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رفض ايطاليا بشكل قطعي فتح موانئها للسفينة التي كانت تقل أزيد من 600 مهاجر بالسلوك «المعيب وغير المسؤول للحكومة الايطالية».
وردت الرئاسية الايطالية ببيان، ترفض فيه «الدروس المنافقة التي تفضل إشاحة النظر عن مشكلة الهجرة»، وقامت باستدعاء سفير باريس لديها.
وبعد أزيد من أسبوع بأعالي البحار، انتهى كابوس سفينة اكواريوس، واضطرت لقطع مسافة 1500 كلم للرسو بميناء فالنسيا الاسباني.
توافق على الرفض
وأبانت تصريحات المسؤولين الأوروبيين، منذ انفجار أزمة الهجرة غير الشرعية أواخر سنة 2014، عن صعوبات بالغة امام اعضاء الاتحاد الأوروبي للاتفاق على أرضية مقبولة من طرف الجميع للتعامل مع ملف الهجرة، بينما تأكد أن هناك توافق على «النأي بالنفس» قدر المستطاع من جانب كل دولة.
فقد اعلنت المجر العام الماضي، «رفضها القاطع التخلي عن سيادتها الوطنية للاتحاد الأوروبي»، وأكدت استمرارها في مقاومة اتفاق نظام الحصص في توزيع المهاجرين على الدول الأعضاء.
وفي 2016، حددت النمسا، عدد الذين يحقّ لهم طلب اللجوء على أراضيا بـ80 شخصا فقط في اليوم، الأمر الذي أثار غضب اليونان التي تعتبر المعبر الرئيسي بين القارتين الأسيوية والأوروبية، بسبب تكدس المهاجرين داخل أراضيها.
وشعرت إيطاليا بتخلي الدول الأوروبية عنها، وتقول أنها تواجه لوحدها الأعداد الكثيفة للمهاجرين القادمين من السواحل الجنوبية للمتوسط، وصرّح وزير الداخلية الايطالي ماتيو سالفيني بشأن سفينة اكواريوس» يجب أن يعلم هؤلاء بأن ايطاليا لا تريد بعد الآن أن تكون جزءاً من أنشطة الهجرة السرية هذه، وعليهم البحث عن مرافئ أخرى يرسون فيها. كوزير وكأب، اقوم بذلك لمصلحة الجميع».
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وبّخ الحكومة الإيطالية، فقد صوّت أحد نواب حزبه «الجمهورية إلى الأمام»، قبل أسابيع ضد مشروع قانون حول الهجرة أثار جدلا واسعا وسيعرض الأسبوع المقبل على التصويت بمجلس الشيوخ الفرنسي.
وقال ماكرون بشأن النص «لا يمكننا أن نأخذ على عاتقنا كل بؤس العالم»، بينما تحدث وزير الداخلية جيرار كولومب عن ضرورة التحرك العاجل للحدّ من «هجرة كثيفة»، وفي الوقت نفسه ضمان حق اللجوء «المقدس» في فرنسا.
وسبق للرئيس الفرنسي السابق، فرنسوا هولاند، أن أقترح سنة 2015، قصف قوارب المهاجرين غير الشرعيينن وتوجّه لمجلس الأمن الدولي لاستصدار القرار.
وترفض دول مثل التشيك، بولندا، بلجيكا والدانمارك بشكل قاطع المشاركة في تقاسم حصص توزيع اللاجئين.
ماذا بقي للاتحاد؟
وفي ظلّ التباين الواضح في المواقف وإصرار كل دولة على الانكفاء على ذاتها، باتت وحدة الاتحاد الأوروبي التي طالما أظهرت على كونها «نموذجية»، على المحك، حيث توالت الضربات الموجعة التي تلقتها الهيئة بدءاً بانسحاب بريطانيا، وصولا إلى الأزمات المالية الحادة التي عرفتها اليونان، اسبانيا، ايطاليا والبرتغال.
ومع تصاعد الخلاف بين فرنسا والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل من جهة، وايطاليا ودول شرق اوروبا من جهة أخرى، حول الهجرة، يبدو واضحا أن «هناك أصوات ترفض قيادة القوتين الأوروبيتين للاتحاد، وفرض سياسات معينة على باقي الأعضاء بحجة المصلحة المشتركة».
بتعرض الحكومات إلى ضغوط رهيبة من قبل الأحزاب اليمينية، على غرار ما تتعرّض له ميركل من احتمال سقوط حكومتها بسبب اختلافها مع وزير الداخلية هورست زيهوفر، بسبب ملف الهجرة غير الشرعية، يمكن القول أن المجموعة الأوروبية تعيش أحلك «مرحلة شك»، بشأن جدوى التكتل في مجموعة إقليمية عاجزة عن سنّ رد فعلي عملي ضد سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.