
Maglor..
في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، ولد حسام أبو صفية يوم 21 نوفمبر 1973، بعد أن هجّرت عائلته قسرًا من بلدة حمامة عام 1948. منذ طفولته، شكّلت معاناة شعبه الدافع الأكبر لرحلته العلمية والإنسانية. بعد سنوات من الدراسة، حصل على درجة الماجستير وشهادة البورد الفلسطيني في طب الأطفال وحديثي الولادة، ليصبح فيما بعد مديرًا لمستشفى كمال عدوان شمال القطاع.
طوال سنوات عمله، كان الدكتور أبو صفية مثالًا للتفاني، حيث أنقذ آلاف الأرواح رغم المصاعب الهائلة، من انقطاع الكهرباء ونقص الأدوية إلى القصف المتكرر. أصيب أكثر من مرة أثناء تأديته واجبه، لكنه أصر على مواصلة عمله، ما جعله ملاذًا آمنًا لكل من طرق بابه طلبًا للعلاج.
تحدى أبو صفية الاحتلال، الذي رأى فيه تهديدًا. تعرّض لمحاولات اغتيال متكررة، إلا أن عزيمته لم تنكسر. لكن في 27 ديسمبر الماضي، اضطر لتسليم نفسه بعد أن استنفد كل السبل لإنقاذ مرضاه وسط ظروف غير إنسانية، ليختفي بعدها في أقبية الاحتلال.
وفقًا لعائلته، يُرجّح أن أبو صفية تعرّض للتصفية، رغم التصريحات الإسرائيلية المتضاربة. فالجيش يدّعي أنه قيد التحقيق بسبب شبهات حول صلته بحركة حماس، بينما تؤكد تقارير حقوقية احتجازه في سجن “سدي تيمان”، المعروف بانتهاكاته لحقوق الإنسان وتعذيبه للمعتقلين.
رغم الأدلة التي قدمها نادي الأسير الفلسطيني حول اعتقاله، ينكر الاحتلال احتجازه. وفي ظل هذا الإنكار، تحذر منظمات حقوقية من تدهور حالته الصحية نتيجة التعذيب، وسط مخاوف حقيقية من تصفيته كما حدث مع أطباء آخرين من غزة.
استهداف الأطباء ليس جديدًا في سياسة الاحتلال، إذ تشير الإحصائيات إلى اعتقال أكثر من 320 طبيبًا فلسطينيًا منذ تصاعد الحرب على غزة. هذه السياسة تؤكد أن الاحتلال لا يفرق بين محارب أو طبيب أو حتى طفل، فالجميع في نظره هدف مشروع.
جرائم الاحتلال، ومنها اختفاء الدكتور حسام أبو صفية، تطرح تساؤلات كبرى حول دور الأنظمة العربية، خاصة تلك التي اختارت التطبيع. هل سيظل الصمت سيد الموقف؟ أم سيُعاد النظر في هذا المسار الذي يشرعن انتهاكات الاحتلال بحق الفلسطينيين؟
في الوقت الذي يواصل الاحتلال جبروته، تظل أنظار عائلة أبو صفية وآلاف الغزاويين متجهة إلى المجتمع الدولي والعربي، في انتظار صحوة الضمير لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.