Partager sur :

"الالتزامات الدولية على المحك : قانون المسطرة المدنية وحقوق ذوي الإعاقة"

"هل يضمن مشروع قانون المسطرة المدنية حقوق ذوي الإعاقة في الوصول إلى العدالة؟"

في زمن تتزايد فيه الدعوات لتعزيز حقوق الإنسان وتحقيق المساواة والعدالة للجميع، نجد أنفسنا أمام تحديات حقيقية تتطلب منا التفكير بجدية في مدى توافق قوانيننا مع التزاماتنا الدولية. ومن بين هذه التحديات، يأتي موضوع ضمان حق الأشخاص ذوي الإعاقة في الوصول إلى العدالة. إن مشروع قانون المسطرة المدنية الذي تمت المصادقة عليه مؤخراً يثير العديد من التساؤلات حول مدى مراعاته لحقوق هذه الفئة الهشة، وخاصة في ظل الالتزامات الدولية التي صادق عليها المغرب، بما فيها الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. 

ان الوازع الأساسي لنا في مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية هو ايماننا بضرورة ضمان ولوج الجميع للعدالة بما فيها الاشخاص ذوي الإعاقة، هذا الولوج الذي يجب أن يكون ميسرا ومستنيرا ومتبصرا كما كرسته المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. ان هذا المبدأ هو تمكين الانسان من المؤسسات والمسائل والطرق الناجعة التي تمكنه للوصول إلى الحق، بغض النظر عن وضعيته الاجتماعية والاقتصادية والجسدية..

كان الأجدر بالحكومة إشراك مكونات المجتمع المدني في اعداد مقترح القانون والأخذ بمقترحاته، بما فيها المجتمع المدني العامل في مجال حقوق الاشخاص ذوي الإعاقة ببلادنا. 

كان ذلك سيساعد على استحضار الالتزامات الحقوقية الدولية بما يتماشى مع مبادئ وأسس الاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص في وضعية أعاقة والتي كان المغرب من أوائل الدول التي صادقت عليها وعلى البروتوكول الاختياري الخاص بها منذ .2009 

ان حق الأشخاص ذوي الإعاقة في الولوج إلى القضاء يعد جزءًا أساسيًا من حقوق الإنسان، وهو معترف به دوليًا من خلال هذه الاتفاقية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 دجنبر 2006 والتي تهدف إلى تعزيز وحماية وضمان التمتع الكامل والمتساوي بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية من قبل جميع الأشخاص ذوي الإعاقة، وتعزيز احترام كرامتهم المتأصلة حيث نجد ان المادة 5 من الاتفاقية تنص على أن الدول الأطراف يجب أن تضمن حماية الأشخاص ذوي الإعاقة من جميع أشكال التمييز، بما في ذلك التمييز في الوصول إلى العدالة. كما تؤكد على حقهم في التمتع بالحماية القانونية على قدم المساواة مع الآخرين تركز الاتفاقية في المادة 3 على احترام الكرامة المتأصلة للأشخاص ذوي الإعاقة، وضمان استقلاليتهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بهم، بما في ذلك الحق في المشاركة الفعالة في الإجراءات القانونية التي تخصهم وفي المادتين 6 و7 تؤكد الاتفاقية على ضرورة إيلاء اهتمام خاص لحماية حقوق المرأة والطفل ذوي الإعاقة في الوصول إلى العدالة، نظراً لتعرضهم لمخاطر مزدوجة من التمييز الحاجة في حين تنص المادة 8 من الاتفاقية على ضرورة التوعية والتدريب للمسؤولين عن إنفاذ القانون والقضاة والمحامين والعاملين في النظام القضائي على حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، لضمان عدم التحيز أو التمييز في التعامل معهم. وتتطلب المادة 9 من الاتفاقية من الدول الأطراف اتخاذ التدابير اللازمة لضمان إمكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى المباني والمرافق العامة، بما في ذلك المحاكم. يشمل ذلك توفير التسهيلات المناسبة مثل مداخل مخصصة، وتوفير مترجمي لغة الإشارة، وخدمات دعم أخرى لضمان فهم كامل للإجراءات القانونية. وفي المادة 12 من الاتفاقية تؤكد على ضرورة الاعتراف بالأشخاص ذوي الإعاقة كأشخاص ذوي حقوق قانونية كاملة. يجب أن تكون لديهم الفرصة للمشاركة في الإجراءات القانونية بصفة مستقلة أو بمساعدة من اختيارهم، دون الإشارة إلى أنهم غير قادرين على اتخاذ القرارات بسبب إعاقتهم حيث ووفقًا للمادة 12 من الاتفاقية، يجب على الدول الأطراف الاعتراف بالأهلية القانونية للأشخاص ذوي الإعاقة على قدم المساواة مع الآخرين في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك الحق في توكيل محامين، وطلب المساعدة القانونية عند الحاجة وفقًا للمادة 12 من الاتفاقية، يجب على الدول الأطراف الاعتراف بالأهلية القانونية للأشخاص ذوي الإعاقة على قدم المساواة مع الآخرين في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك الحق في توكيل محامين، وطلب المساعدة القانونية عند الحاجة.    

  واما المادة 13 من الاتفاقية فهي تنص على أن الدول الأطراف يجب أن تضمن وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى العدالة على قدم المساواة مع الآخرين، من خلال توفير ترتيبات تيسيرية معقولة تتلاءم مع احتياجاتهم، بما في ذلك تسهيل الإجراءات القضائية، وتوفير خدمات الترجمة أو الدعم للأشخاص الذين يعانون من إعاقة سمعية أو بصرية.  

قد قدمت ملاحظات بشأن التقرير الأولي للمغرب وقد كانت اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

       حول إسقاط الأهلية القانونية، بداعي الضعف، عن الأشخاص ذوي الإعاقة، ولا سيما الأشخاص الذين يعانون من ضعف حسي، أو إعاقة نفسية - اجتماعية و/أو عقلية، والوصاية التي تمارس بحكم الواقع داخل أسر الأشخاص ذوي الإعاقة؛

  كما وجهت للمغرب عدم فهم بدائل تقديم الدعم للأشخاص ذوي الإعاقة في اتخاذ القرارات التي تحترم إرادتهم وأفضلياتهم، وعدم وضع هذه البدائل. 

 كما انها اشارت الى كثرت الحواجز التي تحول دون مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في النظام القضائي مشاركة فعالة، وذلك بسبب ضعف الإلمام بالمسائل المتعلقة بالإعاقة في المجال القضائي، وغياب الترتيبات الإجرائية الأساسية، وعدم تقديم المساعدة القانونية للأشخاص ذوي الإعاقة، وعدم إمكانية الوصول إلى جميع المباني القضائية، بما في ذلك مباني المحاكم وأماكن الاحتجاز. 

من المصادقة والتوقيع على الاتفاقية الدولية يحق لنا ان نطرح السؤال امام كل هذا وبعد مرور أكثر من 15 سنة   

أين الملاءمة في مشروع المسطرة المدنية من التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الاشخاص ذوي الإعاقة؟

في خضم النقاش الدائر حاليا حول مشروع قانون المسطرة المدنية، الذي صادق عليه مجلس النواب مؤخرا فإننا في المجتمع المدني العامل في مجال الترافع عن حقوق الاشخاص في وضعية أعاقة نعبر عن تخوفنا من كونه لم يراع أحد اهم حقوق الإنسان والذي هو حق الولوج إلى العدالة. فمن خلال قراءة الصيغة المصادق عليها من طرف مجلس الحكومة فإننا نسجل أنها تشكل ضربا لمبدأ المحاكمة العادلة وقدسية الأحكام والقرارات القضائية الانتهائية الحائز لقوة الشيء المقضي به، من خلال منطوق المادة 17 الفضفاضة في منطوقها والحمالة عدة أوجه وتبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، وهي تذكرنا هنا بقانون "كلّ ما من شأنه " السيء الذكر. وخلافا لما نطالب به من تمتيع الاشخاص في وضعية أعاقة وخاصة النساء والفتيات اللواتي هنّ في وضعية أعاقة من المساعدة القضائية والولوج المجاني للعدالة خاصة إذا علمنا أن أكثر من 80% منهم يعيشون تحت عتبة الفقر نلاحظ ان المجانية غير واردة. وفي هذا السياق فإننا نجدد دعوتنا لتعميم مبدأ مجانية ولوج هذه الشريحة من المواطنات والمواطنين الذين هم في حالة فقر إلى التقاضي وتمتعيهم/هن بالمساعدة القضائية بقوة القانون في جميع المساطير ومصاريف جميع المهن المرتبطة بقضاياهم/هن.

وفي مجال الرقمنة الوارد في القسم الحادي عشر، المادة 624 فما فوق فإنه يجب استحضار ان تكون جميع المراحل المذكورة في هذا القسم ميسرة الولوج لكل انواع الإعاقة وخاصة منها الإعاقة البصرية، وضمان الترجمة للغة الإشارة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية.

يجب على مطوري مواقع وتطبيقات وزارة العدل مراعاة معايير الولوجية الرقمية (مثل WCAG) ولضمان أن تكون الواجهات سهلة ويسر وسهولة الاستخدام بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقات البصرية، السمعية، الحركية، أو الذهنية وذلك باستخدام تصميمات متجاوبة تتكيف مع أجهزة وتقنيات المساعدة، مثل قارئات الشاشة توفير بدائل نصية للمحتوى المرئي والسمعي، مثل الترجمات النصية للفيديوهات أو وصف الصور دعم الأوامر الصوتية لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقات الحركية من التفاعل مع التطبيقات والخدمات   

تماشياً مع التعليق العام رقم 1(2014) بشأن الاعتراف بالأشخاص ذوي الإعاقة على قدم المساواة مع الآخرين أمام القانون، فإننا نطالب بالعمل على استحضارما يلي:‬

 إلغاء ما ورد في مدونة الأسرة وفي قوانين أخرى من أحكام تقيد الأهلية القانونية للأشخاص ذوي الإعاقة، ولا سيما الأشخاص ذوي الإعاقة النفسية - الاجتماعية و/أو العقلية؛ 

  استحداث وتطوير آليات لتقديم الدعم للأشخاص ذوي الإعاقة في اتخاذ القرارات تحترم استقلاليتهم وحقوقهم وإرادتهم وأفضلياتهم في جميع مجالات الحياة؛

 تصميم برامج ترمي إلى بناء قدرات الموظفين العموميين فيما يتعلق بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في الاعتراف بهم على قدم المساواة مع الآخرين أمام القانون، وتطبيق نظام تقديم الدعم في اتخاذ القرارات، وإلى إذكاء الوعي في أوساط الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم والمجتمع بهذا الشأن.

اعتماد تدابير لضمان إمكانية اللجوء إلى القضاء لجميع الأشخاص ذوي الإعاقة، ولا سيما الأشخاص ذوي الإعاقة النفسية - الاجتماعية و/أو العقلية، والصم وضعاف السمع، وضمان إمكانية وصولهم إلى خدمات الإعلام والاتصال باستعمال أشكال ميسرة، مثل طريقة برايل، وأشكال الاتصال عن طريق اللمس والأشكال التي تسهل قراءتها ولغة الإشارة؛

  توفير ترتيبات إجرائية فعالة، داخل القضاء، للأشخاص ذوي الإعاقة، بحسب نوع الجنس والسن؛ 

  ضمان استمرارية برامج التدريب وحملات التوعية والإعلام التي تستهدف موظفي المحاكم والقضاة والمدعين العامين والموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، بمن فيهم أفراد الشرطة وموظفو السجون، بشأن ضرورة تيسير إمكانية اللجوء إلى القضاء للأشخاص ذوي الإعاقة؛

  اتخاذ التدابير اللازمة لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة وتمكينهم من العمل في القضاء، قضاةً ومدعين عامين، على سبيل المثال، مع توفير كل الدعم اللازم، من أجل زيادة تعزيز فرص الأشخاص ذوي الإعاقة في اللجوء إلى القضاء.

يدير اكيندي أستاذ العلوم الاقتصادية والاجتماعية

خبير في التنمية الشاملة والاعاقة 

 

 

Partager sur :