Partager sur :

إلغاء شعيرة الأضحية في المغرب هي رسالة قوية كذلك من الملك محمد السادس إلى المضاربين والمتلاعبين بالأسعار

في سابقة من نوعها، أصدر جلالة الملك محمد السادس قرارًا بإلغاء شعيرة الأضحية لعام 2025، وهو إجراء يعكس أبعادًا سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة. ورغم طابعه الاستثنائي، إلا أنه يرتبط بشكل مباشر بالأزمة الاقتصادية التي يشهدها المغرب، إلى جانب الاختلالات التي طالت قطاع استيراد وتوزيع الماشية في السنوات الأخيرة.

سبق أن أشرنا في مقالات سابقة إلى أن الأزمة الاقتصادية الحالية ليست مجرد نتيجة لعوامل طبيعية أو ظرفية، بل إنها إلى حد كبير أزمة مفتعلة، ساهمت في تأجيجها شبكات المضاربين وبعض الفاعلين السياسيين، الذين استغلوا الأوضاع لتحقيق مصالح خاصة على حساب القدرة الشرائية للمواطنين.

قرار استثنائي بسياق معقد

يأتي هذا القرار في وقت يعاني فيه المواطن المغربي من ارتفاع غير مسبوق في أسعار الأضاحي، نتيجة المضاربات التي جعلت شعيرة العيد عبئًا ماليًا لا يطاق على أغلب الأسر، خاصة الفئات الهشة. وقد سبق أن تدخلت الدولة في السنة الماضية لمواجهة هذه الأزمة عبر تخصيص دعم مالي لتسهيل استيراد الماشية من الخارج، بهدف تحقيق التوازن في السوق وضمان أسعار مناسبة للمواطنين. إلا أن هذه الإجراءات لم تحقق الأثر المرجو، بعدما استغل بعض المستوردين هذا الدعم لتحقيق أرباح شخصية، بدلاً من بيع الأضاحي بأسعار معقولة.

رسالة ملكية واضحة إلى المضاربين

إلغاء شعيرة الأضحية لسنة 2025 يمثل رسالة قوية من العاهل المغربي ضد المضاربين الذين حولوا السوق العام الماضي إلى مساحة للفوضى والجشع. فبدلاً من أن تساهم الإجراءات الحكومية في تخفيف معاناة المواطنين، وجد المغاربة أنفسهم أمام ارتفاع غير مبرر في الأسعار، ما جعل العيد يتحول من مناسبة للفرح إلى مصدر للقلق والمعاناة.

الملك محمد السادس، من خلال هذا القرار، يحرم هؤلاء المضاربين من تحقيق أرباح غير مستحقة، ويوجه ضربة قوية إلى كل من استغل مساعدات الدولة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المواطنين.

بين رفع الحرج والحفاظ على الثروة الحيوانية

إلى جانب البعد الاقتصادي والسياسي، فإن للقرار مستندًا شرعيًا واضحًا، يرتكز على مبدأ "رفع الحرج ودفع الضرر".

  • رفع الحرج مرتبط بعدم قدرة أغلب المواطنين على شراء الأضحية بسبب الغلاء الفاحش، وهو ما يجعل إلغاء الشعيرة مبررًا لتخفيف المعاناة عن الأسر المغربية.
  • دفع الضرر يتمثل في ضرورة الحفاظ على الثروة الحيوانية الوطنية، التي تضررت بفعل توالي سنوات الجفاف وسوء التدبير، وهو ما يجعل إلغاء الأضحية خطوة ضرورية لضمان تجديد القطيع وحماية الأمن الغذائي للبلاد.

الملك ومسؤولية المواطن في الإصلاح

لا يمكن تجاهل ما جاء في أحد خطابات الملك محمد السادس، حين توجه إلى الشعب برسالة واضحة، محملاً إياه مسؤولية اختياراته السياسية. ففي خطابه السامي أمام أعضاء مجلسي البرلمان، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة، شدد جلالته على أن:

"الواقع أن المغرب يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين، وهمهم توحيد المغاربة بدل تفريقهم؛ وإلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات."

ثم أضاف في تذكير صارم للمغاربة بأنهم أصحاب القرار في اختيار ممثليهم:

"إذا وضعتم على رؤوسكم فاسدين في مدنكم وقراكم، فلا تلوموا إلا أنفسكم، ولا تقبل منكم الشكوى، فأنتم المسؤولون عن تدهور حقوقكم وحق بلدكم عليكم."

هذا التصريح الملكي يسلط الضوء على حقيقة جوهرية، وهي أن الأزمة السياسية والاقتصادية التي يشهدها المغرب ليست مجرد نتيجة لقرارات حكومية خاطئة، بل تعكس أيضاً غياب الوعي الكافي عند بعض المواطنين عند اختيار ممثليهم. فالملك يؤكد أن إصلاح الوضع يبدأ من صناديق الاقتراع، وأن التصويت يجب أن يكون لمن يستحق، بناءً على النزاهة والكفاءة، لا المصالح الشخصية والولاءات الضيقة.

في انتظار ذلك، يأتي قرار الملك محمد السادس في إطار تحمل المسؤولية وحماية الشعب المغربي من الظلم الاقتصادي. إنها رسالة قوية بأن المضاربة والفساد لا يجب أن يمليا قواعد السوق، خاصة عندما تكون مصالح المواطنين الأكثر ضعفًا على المحك.

الكرة في ملعب الحكومة والمؤسسات

الآن، الكرة في ملعب المؤسسات والحكومة، وتحديدًا في ملعب المسؤولين الشرفاء والنزيهين داخلها، الذين يجب عليهم التحرك فورًا لاتخاذ إجراءات ملموسة لمنع تكرار مثل هذه الأوضاع في المستقبل. فالمشكلة ليست فقط اقتصادية، بل هي سياسية بامتياز، إذ أن جزءًا من الأزمة يعود إلى تورط بعض الفاعلين السياسيين الذين استغلوا مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية، غير مبالين بتفاقم معاناة المواطنين.

لقد أصبح واضحًا أن بعض المنتفعين داخل الحكومة ومؤسسات الدولة قد حولوا الأزمة إلى فرصة للربح، بدلاً من البحث عن حلول حقيقية تعود بالنفع على الجميع. من هنا، فإن الرهان اليوم هو على المؤسسات الرقابية والقوى الإصلاحية داخل الدولة، التي يجب أن تتخذ إجراءات صارمة للحد من استغلال النفوذ والتلاعب بالسوق. كما أن دور المجتمع المدني والإعلام يبقى أساسيًا لكشف هذه التجاوزات وضمان عدم تكرارها.

دروس للمستقبل

هذا القرار، وإن كان غير معتاد، فإنه يعكس رؤية استراتيجية لحماية المواطنين من تداعيات جشع المضاربين، ويدعو إلى إعادة النظر في آليات ضبط الأسواق وتوفير المواد الأساسية بأسعار عادلة. كما يمثل دعوة للحكومة لتحمل مسؤولياتها في الرقابة الصارمة على الأسواق، حتى لا يتكرر سيناريو الاحتكار والمضاربة في السنوات المقبلة.

Partager sur :