
يشهد المغرب، كما العديد من الدول الأخرى، موجات متكررة من الغلاء التي تثقل كاهل المواطنين، وخاصة الطبقات المتوسطة والفقيرة. وعلى الرغم من أن الأسباب قد تبدو اقتصادية بحتة، إلا أن الواقع يكشف عن دور خطير تلعبه فئة معينة من السماسرة والمضاربين، الذين يستغلون الأزمات لصالحهم، مستفيدين من غياب الرقابة وضعف التدخل الحكومي الفعّال.
الغلاء المصطنع وأدوار السماسرة
في كثير من الأحيان، لا يكون الغلاء نتيجة طبيعية لارتفاع تكاليف الإنتاج أو نقص الموارد، بل هو نتاج مباشر لممارسات غير أخلاقية من قبل وسطاء يتحكمون في السوق، يشترون السلع بأسعار منخفضة ثم يعيدون بيعها بأضعاف سعرها الحقيقي. هؤلاء "تجار الأزمات" يستغلون المواسم والمناسبات مثل عيد الأضحى، شهر رمضان، وفترات التقلبات الاقتصادية لاحتكار الأسواق ورفع الأسعار.
الأدهى أن بعض هؤلاء السماسرة ليسوا فقط تجارًا مستقلين، بل هم جزء من شبكات نفوذ داخل بعض الأحزاب السياسية، ما يمنحهم حماية إضافية ويجعل محاسبتهم أكثر تعقيدًا. هؤلاء لا يعملون من أجل تنمية الاقتصاد أو تحسين ظروف المعيشة، بل هدفهم تحقيق مكاسب شخصية بأي وسيلة، ولو على حساب استقرار السوق ومعاناة المواطنين.
تبريرات الحكومة وعدم القدرة على التغيير
في مواجهة هذا الوضع، تلجأ الحكومة المغربية في كثير من الأحيان إلى تقديم التبريرات بدلاً من اتخاذ إجراءات حقيقية. فبدلاً من محاسبة المحتكرين وكشف المتورطين، نسمع خطابات رسمية تلقي باللوم على "السوق الحرة"، أو على "الأوضاع العالمية"، أو حتى على "قوانين العرض والطلب"، بينما الواقع يشير إلى غياب إرادة سياسية حقيقية لمواجهة المشكلة من جذورها.
عزيز رباح، الوزير السابق، كشف بوضوح أن هذه الأزمة مفتعلة، وأنها ليست بسبب الحرب في أوكرانيا أو تداعيات جائحة كوفيد أو حتى الجفاف، بل إن السبب الحقيقي هو الوسطاء والمضاربون، الذين يوجدون حتى داخل الأحزاب السياسية، ويستفيدون من حالة الفوضى لتحقيق أرباح خيالية على حساب المواطن المغربي.
موقف الخبراء والمراقبين
على الرغم من هذا الوضع، فإن هناك العديد من الخبراء والمسؤولين الشرفاء الذين يدقون ناقوس الخطر ويطالبون بإجراءات فورية لمواجهة الأزمة.
محمد العيساوي، خبير اقتصادي مغربي، يؤكد أن "الاحتكار هو السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار، وأن الحل يكمن في فرض رقابة حقيقية على الوسطاء وتوفير منافذ بيع مباشرة من المنتج إلى المستهلك".
أما الخبير عبد الكريم الشافعي ، نائب رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، الذي طرحنا عليه سؤالًا حول غلاء أسعار السردين، فأكد أن "المشكلة الحقيقية ليست في نقص المنتج، بل في تحكم الوسطاء والمضاربين في الأسعار"، مشددًا على ضرورة "تسليط عقوبات مشددة على هؤلاء الوسطاء الذين يستغلون قوت المواطنين لتحقيق مكاسب غير مشروعة
ما الحل؟
حين طرحنا السؤال "ما الحل؟" على عزيز رباح، الوزير السابق، أوضح أن الحلول تكمن في:
- فرض رقابة صارمة على الأسواق: يجب أن تكون هناك آليات واضحة لضبط الأسعار ومنع الاحتكار، مع عقوبات صارمة على المخالفين.
- إعداد قوائم سوداء للمضاربين: الأشخاص والشركات التي تستغل الدعم الحكومي أو تحتكر السلع يجب أن تُحرم من أي امتيازات مستقبلية.
- تحديد أسعار مرجعية عادلة: وضع حد أقصى لأسعار بعض المنتجات الأساسية خلال فترات الأزمات والمواسم لتجنب الاستغلال.
- تشجيع الشراء المباشر من المنتجين: سواء عبر الأسواق المحلية أو المنصات الإلكترونية، للحد من سيطرة الوسطاء.
- تعزيز دور المجتمع المدني والإعلام في كشف الفساد: من الضروري تسليط الضوء على هذه الممارسات والمطالبة بالمحاسبة الفورية.
الخلاصة
الغلاء في المغرب ليس دائمًا قضاءً وقدرًا، بل في كثير من الأحيان هو نتيجة مباشرة لجشع فئة قليلة تستفيد من ضعف الرقابة وغياب القوانين الصارمة. والسماسرة الذين يعبثون بالأسواق ليسوا فقط تجارًا عاديين، بل في بعض الأحيان يتمتعون بنفوذ سياسي يحميهم من المساءلة. إذا لم تكن هناك إرادة حقيقية لمواجهة هؤلاء، فإن الأزمة ستستمر، وستظل الفئات الضعيفة تدفع الثمن.
المطلوب اليوم هو وعي مجتمعي، ضغط إعلامي، وتشريعات قوية تحمي المواطن المغربي من استغلال تجار الأزمات، لأن استمرار هذا الوضع يعني مزيدًا من المعاناة وانعدام الثقة في المؤسسات المسؤولة عن ضبط الأسواق