
ببلدية قلعة مكونة التابعة ترابيا لعمالة اقليم تنغير، حيث يمتزج عبق الورد العطري بتاريخ من الزراعة التقليدية، يتكرر كل ربيع مشهد الاحتفال بما يُسمى “المعرض الدولي للورد العطري”، والذي بلغ دورته الستين دون أن ينجح في مغادرة دائرة التكرار والنمطية نحو الابتكار الحقيقي والتنمية الملموسة. فما يُفترض أن يكون مناسبة للاعتراف بقيمة الفلاحين المنتجين وتحفيز الاستثمار في سلسلة الورد، تحول إلى منصة للاستهلاك الاحتفالي والوعود المستهلكة، تغلفها أضواء الكاميرات وتخترقها روائح الإقصاء والتهميش.
ما يثير الاستغراب، بل الاستياء، أن المعرض ظل وفياً لتقليد “النسخ واللصق” دون أي لمسة تجديدية أو رؤية فنية. فبوابة المعرض، وأروقته، وترتيب فضاءاته، بل حتى توزيع المعارض، بقيت كما هي منذ سنوات، وكأن الزمن توقف عند دورة بعينها، يعاد تكرارها دون أدنى مراجعة نقدية أو جرأة على التغيير. هذا الجمود يُعد كارثة تنظيمية تؤكد غياب الخيال الإبداعي، وتدل على أن الجهات المشرفة تفتقر إلى الحد الأدنى من الجرأة على التحديث، مكتفية بإعادة إنتاج نفس المشهد الاحتفالي المُتعِب.
الأخطر من ذلك، هو ما يتداول من معلومات حول اعتلاء بعض المناصب التنظيمية الحساسة بالمهرجان من طرف أشخاص تحوم حولهم شبهات قانونية وتدبيرية، بعضها موثق في شرائط فيديو وصور وتسجيلات صوتية بمقالات عديدة عبر اعتى المنابر الإعلامية. هذه الاختلالات، التي أصبحت مادة شبه دائمة للهمس المحلي، تستوجب تدخلاً حازماً من قبل السلطات المركزية، خصوصاً في ظل تكرار نفس الأسماء، رغم فشلها المزمن في إحداث أي تحول في طبيعة الحدث أو في مردوديته التنموية.
بعيدًا عن الطقوس الفولكلورية والندوات الشكلية التي غالبًا ما تُستنسخ هي الأخرى من دورات سابقة، يظل الواقع الفلاحي في المنطقة جامدًا، إن لم يكن في تدهور مستمر. لا وحدات تثمين، لا دعم حقيقي للتعاونيات، لا تعاقدات عادلة تحمي المنتجين من تقلبات السوق، في وقت تستفيد فيه مؤسسات عمومية من الاعتمادات وتحتكر الواجهة الإعلامية، دون أن تقدم أي حلول عملية أو مشاريع إنتاجية.
ولعل الإقصاء لا يطال الفلاحين وحدهم، بل حتى الجسم الإعلامي، إذ تفتقر قاعة الصحافة لأبسط شروط العمل المهني، من معدات اتصال وخدمة إنترنت إلى ضيافة تحفظ كرامة الصحافيين. هذه التفاصيل، التي قد تبدو صغيرة للبعض، تُجسد احتقارًا صريحًا لدور الإعلام، وتكشف نوايا القائمين على المعرض في تحويله إلى مساحة دعائية مغلقة على النقد.
لولا المواقف الجريئة التي عبّرت عنها بعض المنابر المستقلة كـ”أولى-نيوز ،وماكلور ،والإخبارية" وتحركات فاعلين مدنيين غيورين على المنطقة، لما انكشف ما يُدار خلف الكواليس من تكرار واختلالات. هذه الأصوات، وإن وُوجهت بالتجاهل أحيانًا، تبقى صمام الأمان الذي يُفترض أن يشكل بداية الوعي الجماعي بضرورة التغيير.
بعد ستين دورة، آن الأوان لوقفة تقييم جذرية. فالمهرجان في صيغته الحالية لم يعد يُسمن فلاحي قلعة مكونة من جوع، ولا يُخرج الورد العطري من هامش الاستغلال إلى فضاء التثمين والتصدير. وإذا كانت النية الحقيقية هي تنمية المنطقة وخدمة أهلها، فيجب إرساء تصور جديد: يرتكز على تمكين الفلاحين، استثمار الميزانيات في وحدات إنتاجية، وإنشاء شراكات تنموية ذكية، وتطهير إدارة المهرجان من أي شبهة أو رائحة فساد.
ختامًا، لا معنى للاحتفال بالورد العطري، إذا كان هذا الورد يُقطف على أيدي فلاحيه المقهورين، ثم يُستغل اسمه في مهرجانات لا تثمر سوى صور تذكارية وبلاغات فارغة. الورد، مثل الكرامة، لا يزهر في بيئة الاستغلال.
هل آن الأوان لمراجعة جذرية تُنقذ “ورد مكونة” من عبث الاحتفال؟