تواجه الزراعة في المغرب تحديات بيئية واقتصادية كبيرة، ترتبط بشكل أساسي بالاستنزاف المفرط للفرشة المائية، وخصوصًا من قبل الفلاحين الكبار الذين يركزون على الزراعة الموجهة للتصدير. هذا النمط من الزراعة يُشجع في العديد من جهات المملكة على حساب زراعات أكثر استدامة، مما يهدد مستقبل الموارد الطبيعية ويضع الأمن الغذائي في خطر. في ظل هذه الظروف، بدأ العديد من فلاحي منطقة تارودانت في التخلي عن أراضيهم نتيجة العوامل البيئية والاقتصادية الضاغطة.
في مناطق مثل تارودانت و الراشدية، تُستخدم كميات هائلة من المياه لري الأراضي المخصصة للزراعات التصديرية، خاصة زراعة الحوامض والفواكه الحمراء و الأفوكادو. هذه الزراعات تستنزف الفرشة المائية بشكل مفرط، مما أدى إلى نضوب المياه في العديد من المناطق، حيث أصبحت الأحواض الجوفية شبه جافة. الفلاحون الكبار الذين يستثمرون في هذه الزراعات يستغلون الموارد المائية دون اعتبار كبير لآثار ذلك على المدى الطويل، مما يهدد التوازن البيئي والمائي في المنطقة.
إلى جانب استنزاف المياه، استفاد هؤلاء الفلاحون الكبار من دعم حكومي ضخم بلغ مليارات الدراهم، سواء من خلال تمويل مشاريعهم أو بناء بنية تحتية تخدم مصالحهم الزراعية. يتم توجيه هذا الدعم نحو الزراعات التصديرية، بينما يبقى الفلاحون الصغار محرومين من هذا الدعم بالشكل الكافي. رغم هذه الاستثمارات الكبيرة، يبقى العائد على الاقتصاد الوطني محدودًا، خاصة أن معظم هذه الزراعة موجهة للأسواق الخارجية دون تحقيق فائدة كبيرة للأمن الغذائي الوطني.
علاوة على الدعم المالي، يتمتع الفلاحون الكبار بإعفاءات ضريبية تصل إلى عشرات الملايين من الدراهم سنويًا. هذه الإعفاءات تُمنح لهم بهدف تشجيع الزراعة، إلا أن الفائدة على المستوى الوطني تبقى غير متوازنة. يتم تركيز الجهود على الزراعة التصديرية التي تستهلك كميات هائلة من الموارد، دون أن تحقق مساهمة فعالة في تعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي للمملكة.
في ظل هذه الظروف، صرح لنا مسؤول من قطاع وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، ليحذر من هذه الممارسات. وأكد المسؤول أن "الوضع الحالي يتطلب من الحكومة إعادة النظر في سياساتها الزراعية بشكل عاجل. هناك حاجة ملحّة لتوجيه الاستثمارات نحو زراعات مستدامة تحافظ على الموارد الطبيعية وتساهم في تحقيق الأمن الغذائي. يجب تقنين استهلاك المياه بشكل صارم، وتوجيه الدعم بشكل متوازن ليشمل الفلاحين الصغار والزراعات التي تعود بالفائدة على المجتمع المغربي ككل." كما شدد على أن "تحقيق التوازن بين الزراعة الموجهة للتصدير والاكتفاء الذاتي الغذائي أصبح أمرًا حيويًا لضمان استدامة القطاع الزراعي وحماية الموارد الطبيعية للأجيال القادمة."
من بين أبرز مظاهر هذه الأزمة، نجد تخلي العديد من فلاحي منطقة تارودانت عن أراضيهم الزراعية. نتيجة الجفاف ونقص المياه، باتت الأراضي غير قابلة للزراعة، مما دفع الفلاحين إلى التخلي عن مساحات شاسعة من الأراضي، والتي كانت تشكل ركيزة الإنتاج الزراعي المحلي. هذا التخلي يعكس حجم الأزمة التي يواجهها القطاع الزراعي، حيث أصبحت الزراعة في هذه المناطق غير مربحة وغير مستدامة.
استنزاف الفرشة المائية لدعم الزراعات التصديرية قد يُحقق بعض الأرباح الفردية على المدى القصير، لكنه يهدد الزراعة الوطنية على المدى الطويل. نضوب الموارد المائية قد يؤدي إلى أزمة حقيقية في توفير المياه للزراعات المحلية، وهو ما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا، خاصة في ظل التغيرات المناخية والجفاف المتزايد.