دأبت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والأسرة العلوية الشريفة في شخصي سمو الأميرة للالة حسناء الرئيسة الشرفية لمنظمة SOS قرى الأطفال بالمغرب، وسمو الأميرة لالة زينب رئيسة العصبة المغربية لحماية الطفولة على إعطاء الطفولة بالمغرب عناية خاصة واهتماما ذو أولوية قصوى، كان آخرها تمتيع جلالته للأطفال ضحايا الزلزال بالمغرب بصفة " مكفول الأمة " وإعطائه لتعليماته السامية لتوفير كل المتطلبات والحاجيات الضرورية لاستقرارهم واستكمال دراستهم في أفضل الظروف.
كما عمل دستور 2011 - في الفصل 32 منه - على تأكيد سعي الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية. وفي نفس السياق جاء النموذج التنموي الجديد بمقترح تعميم التعويضات العائلية الموجهة للأطفال، ضمن الاختيار الإستراتيجي المتعلق بضمان قاعدة أساسية من الحماية الاجتماعية تعزز الإدماج والقدرة على التحمل وتجسد التضامن بين المواطنين (المحور الثالث من النموذج التنموي المتعلق : فرص للإدماج الجميع وتوطيد الرابط الاجتماعي) وهو ما أدرجته الحكومة ببرنامجها الحكومي 2021-2026 في إطار التزاماتها العشر (إحداث المساعدة الاجتماعية لدعم الأسر في وضعية هشاشة).
ومن المعلوم أيضا أنه قد تعاقبت السياسات العمومية في مجال حماية الطفولة ببلدنا بداية بخطة العمل الوطنية للطفولة 2006-2015 التي كانت تهدف إلى الرقي بالحق في الصحة وحياة سليمة، الرقي بالحق في التربية والتعليم والنمو، الرقي بالحق في الحماية، دعم وتقوية الحق في التسجيل في الحالة المدنية والحق في المشاركة، الرقي بمبدأ الإنصاف بشكل أفضل، تقوية قدرات العاملين مع الأطفال في المجال الصحي والترشيد الأمثل والرفع من الموارد المالية والبشرية المرصودة للنهوض بحقوق الطفل.، مرورا بالسياسة العمومية المندمجة لحماية طفولة بالمغرب 2025-2015، والتي تم تحيينها بتاريخ 03-12-2021 حيث تهدف إلى تقوية الإطار القانوني لحماية الأطفال وتعزيز فعاليته، إحداث أجهزة ترابية مندمجة لحماية الطفولة، وضع معايير للمؤسسات والممارسات، النهوض بالمعايير الاجتماعية الحمائية ووضع منظومات للمعلومات والتتبع والتقييم.
وعلى الصعيد الدولي، وقع المغرب سنة 1993 على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر 1989، وصادق عليها سنة 1996 بموجب الظهير الشريف رقم 1.93.363 صادر في 9 رجب 1417 (21 نوفمبر 1996) مع التحفظ التالي : " إن المملكة المغربية التي يضمن دستورها لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية، تتحفظ على أحكام المادة الرابعة عشرة التي تعترف للطفل بالحق في حرية الدين، نظرا لأن الإسلام هو دين الدولة ".
هذا وتمت المصادقة سنة 2003 على كل من البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة والبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية، لتتم المصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق بإجراء تقديم البلاغات سنة 2013.
وارتباطا بجوهر الموضوع، نثمن مبادرة إحداث الوكالة الوطنية لحماية الطفولة من أجل توحيد الجهود والرؤية لحماية الطفولة، غير أنه ليس من المنتظر أن تعمل هذه الوكالة فقط على تحسين الوضع الحالي لمؤسسات حماية الطفولة، بل يتوخى عليها تطوير بدائل حمائية مبتكرة لفائدة الطفولة المغربية، وفي ما يلي ملاحظات أولية حول مشروع القانون المتعلق إحداث الوكالة الوطنية لحماية الطفولة والنظام المطبق بالمؤسسات التابعة لها :
أولا - المنطلقات الأساسية لإعداد قانون الوكالة الوطنية للحماية الطفولة
الملاحظة (1) : يتطلب النهوض بمجال حماية وتجويد خدمات الرعاية وإعادة الإدماج تشخيصا شاملا ودقيقا وجريئا يرمي إلى رصد ما يعتري الطفولة في بلادنا من مشاكل من قبيل قلة الموارد المادية للأسر، صعوبة الولوج إلى الخدمات الصحية، تشغيل الأطفال مادون السن المسموح به للعمل، الهذر المدرسي الناتج عن عبء تغطية تكاليف التمدرس أو تشغيل الأطفال لمساعدة أسرها ماديا أو انتشار عادات وأعراف محلية تشجع حرمان الفتيات من التمدرس وتزويجهن في سن مبكرة أو توالي سنوات التكرار بالأقسام الدراسية، التفكك الأسري الناتج عن الطلاق وحالات اليتم، هجرة الأطفال غير المرافقين والاعتداءات الجنسية على الطفولة، إذ يهدف هذا التشخيص إلى تحديد الفئات المستهدفة والإشكالات الكبرى التي سيعهد إلى الوطنية لحماية الطفولة معالجتها.
الملاحظة (2) : يبدو أن سياق العام لإخراج هذا القانون إلى حيز الوجود قبل الحسم في القانون الجنائي الجديد والقانون الجديد للمسطرة الجنائية قد يشكل مبادرة تشريعية سابقة لأوانها، خصوصا على مستوى المستجدات التي قد تطرأ على الكتاب الثالث من قانون المسطرة الجنائية الحالي " القواعد المتعلقة بالأحداث " وكذا على أحكام المسؤولية الجنائية (الفصل 138، 139، 140 من القانون الجنائي)، لذا نقول أن إخراج القانون في هذه الظرفية قد يتعارض مع مضمون التشريع الجنائي، مما قد يضيق على قضاء الأحداث هامش اختيارات التدابير الحماية في حق الحدث، أو ينتج عنه تنازع القوانين أو قد يتطلب تعديلا لاحقا للقانون المتعلق بالوكالة من أجل ملاءمته مع التشريع الجنائي الجديد.
الملاحظة (3) : نسجل أن صيغة إعداد مشروع القانون غابت عنها المقاربة التشاركية، خصوصا وأن التشريع في مجال حماية الطفولة يكتسي صبغة مجتمعية بامتياز، وبالتالي من المفترض أن تتم صياغته بناء على مخرجات حوار وطني أو مناظرة وطنية أو تقييم لمنجزات القطاعات الحكومية المعنية بحماية طفولة بقبل إخراج الوكالة إلى حيز الوجود، بغية تشخيص مواطن القوة والضعف ومحاولة استدراك ما يمكن استدراكه.
ثانيا - ملائمة قانون الوكالة الوطنية للاتفاقيات الدولية واحترم المصلحة الفضلى للطفل واستثمار تجارب الدول الرائدة في مجال حماية الطفولة
الملاحظة (4) : ينص مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية (تصدير دستور 2011) على جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة، وارتباطا بذلك فإن اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب سنة 1993، تؤكد في مادتها 37 على أن يكون السجن هو الاختيار الأخير ولأقصر مدة ممكنة، على اعتبار ان الأصل هو ضمان حق الطفل في المشاركة في الحياة الأسرية، مراعاة لمصلحته الفضلى من جهة (المادة 3 من اتفاقية حقوق الطفل)، وكذا لضمان نجاعة التدخل التربوي والإصلاح، حيث أثبتت التجربة أن الأطفال الذين استفادوا من خدمات مؤسسات حماية الطفولة يعودون إلى ما كانوا عليه قبل دخولهم للمؤسسة بمجرد خروجهم منها، بفعل عدم معالجة إشكالية الطفولة من دخل محيطه الأسري والاجتماعي، وهو أيضا ما يبرر حالات الفرار المتكرر للأحداث حيث أن الحدث يعيش داخل مؤسسات في حالة اشتياق للدفء الأسري الذي لا يمكن تعويضه بكل حال من الأحوال، وهنا نلامس كيف عدم استثمار مقتضيات القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة لصالح الطفولة بالشكل المطلوب والتي هي الأولى بالاستفادة منه على اعتبار أن الإيداع بمؤسسات حماية الطفولة يبقى الملاذ الأخير للطفل مراعاة لمصلحته الفضلى وحفاظا على حقه في المشاركة في الحياة الأسرية والعائلية، واقتصر القانون المتعلق بالوكالة فقط في الفقرة الثانية من المادة 32 على إمكانية تطبيق العقوبات البديلة على الأطفال في نزاع مع القانون حسب طبيعة الجنح المرتكبة وطبقا للسلطة التقديرية للجهات المختصة دون إسناد مهام التطبيق صراحة للوكالة (فرع الحرية المحروسة) وتبيان كيفية تطبيقها، مع العلم أن هذا النظام يجب أن يكون هو المبدأ والإيداع بالمؤسسات يظل استثناء ويطبق لأقصر مدة ممكنة.
الملاحظة (5) : بالنسبة للمادة 12، لا يمكن بأي شكل من الأشكال تمديد فترة إقامة الحدث الذي تجاوز 18 سنة، لانه صار بالغا، وبهذه الرخصة نكون قد وضعنا طفلا مع أشخاص بالغين بنفس المؤسسة وهو ما يتعارض مع مضمون المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل، على اعتبار ان المادة الأولى من نفس الاتفاقية قد حسمت في تحديد سن الطفولة في عدم تجاوز 18 سنة، حتى على المستوى العملي فذلك، سيعزز من نشوب النزاعات بين المستفيدين نظرا لعدم تجانس المجموعة من حيث التفييئ العمري.
الملاحظة (6) : لم يستلهم القانون المنظم للوكالة قواعده من تجارب الدول الرائدة في مجال حماية الطفولة (les séjours de rupture نموذجا)، وفضل اعتماد أنظمة كلاسيكية متجاوزة عوض اعتماد أنظمة إكلينيكية تهتم بالصحة النفسية للطفل موضوع الرعاية، من جهة، وتختص بالتوعية والتحسيس والإجراءات الوقائية من داخل مؤسسات التنشئة الاجتماعية الشيء الذي لم نلحظه في اختصاصات الوكالة. كما أن مشروع القانون لم يستثمر توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (تقرير حول فعلية حقوق الطفل، مسؤولية الجميع - إحالة ذاتية رقم 23/2016)
ثالثا - الصياغة القانونية وتحديد هيكلة التمثيليات الجهوية للوكالة اختصاصاتها وجرد مهام الأطر العاملة بالمؤسسات التابعة للوكالة
الملاحظة (7) : جرى استعمال عبارات من قبيل " نزيل "، " أطفال مهملين " والتي يستوجب تعويضها ب " مستفيد "، " أطفال بدون سند أسري " تجنبا لعبارات القدح وتفاديا لتعزيز الوصم الاجتماعي لهذه الفئة من الطفولة وسعيا نحو الحفاظ على تقدير الأطفال لذواتهم.
الملاحظة (8) : لم يتم تحديد تأليف التمثيليات الجهوية للوكالة والاختصاصات المنوطة بها، علما أن التوجه الحالي للتنظيم الإداري المغربي يقتضي تبني الجهوية المتقدمة وتمتيع المصالح اللاممركزة بصلاحيات واسعة وتمكينها من الموارد اللازمة لممارسة مهامها على أكمل وجه، كما أن إحداث هذه التمثيليات لا يجب أن يكون اختياريا بل لازما.
الملاحظة (9) : لم يتم جرد وتوصيف مهام الأطر العاملة بالمؤسسات التابعة للوكالة، كل على حدى : الأطر الإدارية والأطر التربوية داخل المؤسسة ومندوبي الحرية المحروسة والعقوبات البديلة والأطر الطبية والشبه طبية وأطر التكوين الدراسي وأطر التكوين المهني، وأطر التنشيط الرياضي، وأطر التنشيط السوسيوثقافي. مع ضرورة ملائمة المهام المسندة للعاملين بالوكالة لإطارهم الأصلي، فمن غير الصواب (على سبيل المثال لا الحصر) إسناد الحراسة الليلة لإطار متصرف علما أن ذلك يخالف المرسوم المنطم لهيئته.
رابعا - حماية الأطفال الشهود والمبلغين عن الجرائم وتحديد مسؤوليات الأطر العاملة بالمؤسسات التابعة للوكالة
الملاحظة (10) : لم تقم المادة 45 بالتمييز بين الخطأ المهني (شخصيا كان أم مرفقيا) المستلزم للعقوبة التأديبية والمسؤولية التقصيرية عن أفعال الأحداث المستلزمة لتنصيب الدولة كطرفا فيها في مواجهة المشتكي والتي تتيح لها إمكانية رفع دعوى الاسترداد في حق الموظف لجبر الضرر الذي تسبب فيه الحدث والدي كلف خزينة الدولة (الفصل 88 مكرر من قانون الالتزامات والعقود) مع التذكير ان بطبيعة الالتزام التي تربط العاملين بمؤسسات حماية الطفولة هو التزام ببذل عناية وليس بنتيجة، والمسؤولية الجنائية للموظف الاستثناءات الواردة عليها بشكل كاف، كما في حالة استخدام القوة لتفادي إلحاق الحدث الضرر بنفسه أو بالآخرين حيث تدخل في باب واجب تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر. وفي ما يخص حالات الفرار فالعاملون بمؤسسات حماية الطفولة هم فاعلون تربويون واجتماعيون ولا يمتلكون الصفة الضبطية لمطاردة الأحداث الفارين من المؤسسة خصوصا إذا كانت مفتوحة.
الملاحظة (11) : لم يستهدف القانون المنظم للوكالة فئة الأطفال الشهود والمبلغين عن الجرائم احتكاما إلى القانون 37.10 الذي يوفر الحماية للأشخاص الضحايا والشهود والمبلغين والخبراء وبالتالي تحقيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب
الملاحظة (12) : ينبغي الفصل بين فقرتي المادة 140 وتخصيص مادة للفقرة الأولى بشأن إعداد التقرير السنوي ورفعه إلى صاحب الجلالة، أما في ما يخص الفقرة الثانية من هذه المادة فتقتضي جرد وتوصيف مهام الأطر العاملة بالمؤسسات التابعة للوكالة (أنظر الملاحظة 9)
في الختام، علينا أن ندرك أهمية حماية الطفولة وضرورة توحيد الجهود والتعاون لضمان حقوقهم وحمايتهم. كما يجب علينا أن نعمل معًا لتطوير السياسات والبرامج التي تعزز سلامتهم ورفاهيتهم. ونأمل أن تكون الوكالة الوطنية لحماية الطفولة أداة لأنسنة المسارات القضائية وتتبع وضعية الأطفال وإدماجهم في وسطهم الأسري من أجل بناء مجتمع يحترم ويحمي حقوق الطفولة.