
مكناس –
من قلب العاصمة الإسماعيلية مكناس، تتكشف واحدة من أخطر قضايا التلاعب المالي والإفلاس المدبر في القطاع الصناعي المغربي. شركة “سيكوميك” (Sicomek)، التي تأسست عام 2015، لم تكن سوى واجهة جديدة لمؤسسة “سيكوم” (Sicom)، التي يعود تاريخها إلى 1974، في إطار مخطط محكم يهدف إلى تصفية الشركة الأم وتهريب الأصول دون المساءلة القانونية، مما أدى إلى حرمان مئات العمال من مستحقاتهم القانونية وإغراقهم في حالة من الفقر المدقع والتشرد.
كجزء من المخطط، تم إنشاء “سيكوميك” كبديل عن “سيكوم”، مع الحفاظ على نفس المالكين ونقل ممتلكات الشركة الأولى إلى الثانية بأساليب قانونية ملتوية. رغم أن لكل شركة سجلًا تجاريًا منفصلًا وعنوانًا مختلفًا، إلا أن أرقام الهواتف ظلت نفسها، ما فضح عملية التلاعب.
وكانت “سيكوم” تابعة لمجموعة “هولفيبار” (Holfipar)، وهي شركة قابضة تأسست عام 1990 برأسمال 160 مليون درهم، واشترت أغلب أو ما تبقى من أسهم الدولة من شركة “سيكوم” خلال موجة الخوصصة، والتي تديرها عائلة نافذة (ع-ت).
لم تقتصر الخطة على تغيير الأسماء، بل شملت تحويل الأصول التشغيلية إلى شركات جديدة يملكها أفراد من نفس العائلة، مثل “أليانص” (Alizé) التي استحوذت على المعدات ووسائل النقل، ما جعل أي حكم قضائي لصالح العمال غير قابل للتنفيذ بسبب غياب الأصول القابلة للحجز.
لم يكن النهب محليًا فقط، بل امتد إلى فرنسا، حيث استحوذت “هولفيبار” عبر شركتها التابعة “سيفيطا” (Sefita) على 50% من أسهم شركة “Chargor Fashion”، ثم حولتها إلى “Fashion Company” قبل تصفيتها قضائيًا عام 2015. كما تورطت المجموعة في صفقات مشبوهة تضمنت شراء “روديير” الفرنسية وشركات أخرى تعاني من الإفلاس.
وفي المغرب، لا تزال “سيفيطا” نشطة في تزويد الحكومة بالبدلات العسكرية، بينما يدير أحد أفراد العائلة (ك-ت) عملياتها داخليًا، فيما يشرف شقيقه (ج-ت) على فرع باريس، ما يعكس مدى تشابك المصالح العائلية في القطاع الصناعي.
على الجانب الآخر، يدفع العمال الثمن الأكبر لهذا المخطط الجشع، حيث تم إغلاق المؤسسة سنة 2021/11 بعد عدم تأدية الأجور لشهري أكتوبر ونوفمبر، رغم استفادتها من دعم مالي قدره 400 مليون سنتيم من قبل جماعة مكناس وجهة فاس-مكناس، إضافة إلى تنازل المكتري عن السومة الكرائية سنة 2018، وتنازل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عن الفوائد، إلا أن النية المبيتة كانت التضحية والإغلاق، ما أدى إلى تشريد أكثر من 550 عاملة وعاملًا.
منذ أكثر من 7 أشهر، يخوض العمال اعتصامًا مفتوحًا أمام فندق الريف بمكناس، رفضًا للتهميش ونهب حقوقهم، وسط صمت حكومي مطبق وتخاذل من النقابات التي كان يُفترض أن تدافع عنهم.
النتيجة مأساوية:
• 6 عمال فقدوا حياتهم بسبب الإهمال والأوضاع المعيشية المزرية.
• 3 حالات بتر أطراف.
• حالة فقدان بصر واحدة.
• 3 حالات شلل نصفي.
• 50% من العمال يعانون من أمراض مزمنة.
• 10% مصابون بأمراض خطيرة مثل السرطان.
ورغم هذه الكارثة الإنسانية، لا تزال السلطات غائبة، فيما يُظهر الملف فسادًا بنيويًا يربط رجال الأعمال بمؤسسات الدولة، حيث يتم الالتفاف على القوانين بشكل ممنهج، دون أي رادع قضائي.
قضية “سيكوميك” ليست مجرد حالة معزولة، بل نموذج صارخ لاستغلال النفوذ في التهرب من المسؤوليات الاجتماعية، وإعادة تدوير الشركات المفلسة لتجنب دفع المستحقات القانونية، في ظل غياب رقابة صارمة تحمي العمال من هذه الجرائم الاقتصادية.
إن هذه الفضيحة تطرح تساؤلات جوهرية حول مدى جدية الدولة والنظام في التصدي لنهب المال العام والعبث بحقوق العمال، خاصة عندما يصبح التحايل المالي منهجًا معتمدًا لإعادة إنتاج نفس الطبقة الاقتصادية النافذة، على حساب الفئات الكادحة.
فمتى سيحرك القضاء هذا الملف ويحاسب المتورطين؟