ثمّن فاعلون مدنيون مواكبون لتطورات ملف القنب الهندي بالمغرب إصدار الملك محمد السادس عفوه على مجموعة من صغار مزارعي هذه النبتة المدانين أو المتابعين بسبب نشاطهم غير القانوني، مؤكدين أنه يخرج الآلاف من الأسر بمناطق هذه الزراعة من نفق الضغط المادي والنفسي الذي عاشوه جراء هذه المتابعات.
الفاعلون الذين تحدثوا لاحدى الجرائد الالكترونية المغربية أكدوا أن الخطوة الملكية تؤسس لمرحلة اقتصادية جديدة في مناطق زراعة هذه النبتة، سمتها "ضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لأسر المزارعين المشمولين بالعفو، في ظروف مريحة تتسم بسيادة القانون وحمايته لكل فرد”، مشددين على أنها أيضا تشكل "تحفيزا لأبناء هذه المناطق من أجل الانخراط في ورش تقنين زراعة هذه النبتة لتأمين مدخول كريم لهم بعيدا عن استغلال تجار المخدرات"
خروج من نفق
قال عبد اللطيف أظبيب، فاعل مدني رئيس تعاونية لزراعة القنب الهندي بجماعة إيساكن إقليم الحسيمة، إن “المنطقة تلقت بانتشاء كبير هذا العفو الملكي؛ لأنه يشكل ولادة جديدة لآلاف الأسر التي بقيت لسنوات بلا معيل بسبب إدانة أحد رجالها فأكثر، أو حُرم أبناؤها من حقوقهم في التمدرس والتطبيب بسبب عدم قدرة الأولياء المبحوث عنهم على قضاء أغراضهم الإدارية داخل المرافق العمومية مخافة إلقاء القبض عليهم”، معتبرا أن “الخطوة الملكية ستخرج الأسر المعنية من نفق الضغط المادي والنفسي الذي قبعت فيه جراء المتابعات القضائية”.
وأضاف المزارع ذاته، في تصريح لاحدى الجرائد الالكترونية المغربية ، أن “هذه الانفراجة، التي انتظرتها ساكنة مناطق زراعة القنب الهندي ونادينا بها كمجتمع مدني لأزيد من ثلاثة عقود، تعزز الثقة لدى العديد من صغار الفلاحين في توجه الدولة نحو تحويل نبتة القنب الهندي من مصدر للمحن الاجتماعية والاقتصادية للأسر إلى محرك لتنمية منطقة الريف، وتبدد التخوفات التي جعلت بعضهم يبقى مترددا في ممارسة هذه الزراعة حتى مع مرور العام الثاني على تقنينها”.
ولفت رئيس التعاونية، التي تضم 30 من صغار مزارعي نبتة القنب الهندي بالمنطقة، إلى أن “الخطوة الملكية ستحفز ما يصل إلى 90 في المائة من فلاحي المنطقة على الانخراط في الورش الوطني الهادف إلى تخليصهم من قبضة تجار المخدرات وتوجيه زراعة القنب الهندي نحو توفير مدخول كريم لهم، خاصة أن معيشهم اليومي مرتبط تماما بهذه النبتة مع عدم توفرهم على بدائل أخرى في ظل صعوبة التضاريس والجفاف الذي يخيم على المنطقة”.
وخلص المتحدث عينه إلى أن ” القرار الملكي لم يُبق من خيار للمزارعين المترددين سوى التشمير من استصدار التراخيص القانونية والعمل بجدية من أجل إنجاح الموسم الفلاحي المقبل، بما يحسن أوضاعهم الاقتصادية وينسيهم الغبن الذي عاشوه لعقود جراء المتابعات القضائية واستغلال تجار المخدرات أولا، ويُنجح الرهانات الوطنية الموضوعة على ورش تقنين هذه الزراعة للاستفادة من استخداماتها الطبية والصناعية”.
مرحلة اقتصادية جديدة
شريف أدرداك، رئيس جمعية أمازيغ صنهاجة الريف، أوضح بداية أن “القرار الملكي تاريخي؛ لأنه يهم أساسا الفلاحين البسطاء المتابعين قضائيا أو المحكوم عليهم في إطار قضايا مرتبطة بزراعتهم للقنب الهندي خلال السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي نادينا به منذ سنوات؛ بالنظر إلى قناعة راسخة بأنه لا يمكن تطبيق أي مشروع جديد، بما فيه مشروع تقنين النبتة ذاتها، دون وجود عفو شامل وعام على المزارعين البسطاء الذين كانوا يشتغلون في ظل ظرفية متسمة باللاقانون”.
وأضاف أدرداك، في تصريحه لنفس الجريدة الالكترونية، أن “العفو الملكي ذاته يحيل على فتح صفحة جديدة ستمكن من التأسيس لمرحلة اقتصادية جديدة بأقاليم الشمال المعروفة بزراعة نبتة الكيف منذ عقود؛ فالأثر سيكون إيجابيا لأننا نتحدث عن 4 آلاف و831 فلاحا بسيطا، بمعنى عشرات الآلاف من الأفراد الذين يشكلون أسر هؤلاء البسطاء الذين كانوا يعانون حتى في تنقلاتهم بين جغرافيا الوطن لكونهم متابعين، بينما اليوم ستتغير الأمور بشكل جيد”.
وخلص المتحدث المواكب لتطورات ملف القنب الهندي بالشمال المغربي إلى أن “الحديث، في نهاية المطاف، عن استقرار اجتماعي غير وارد بدون وجو استقرار اقتصادي يساهم في إعالة عشرات الآلاف من الأسر في ظروف مريحة تتسم بسيادة القانون وحمايته لكل فرد”، مؤكدا مرة ثانية على “تاريخية القرار وثقله الاقتصادي والاجتماعي”.
مصالحة وتحفيز
رشيد راخا، فاعل مدني رئيس التجمع العالمي الأمازيغي، شدد بداية على أن “إدانة العديد من الأشخاص بقضايا مرتبطة بزراعة القنب الهندي قد أدخلت أسرهم في حالة قطيعة مع هذه الزراعة التي لا غنى عنها لتنمية مدخولهم، واستمرّت هذه الزراعة منح الدولة الضوء الأخضر لها لممارسة هذه الزراعة بشكل قانوني، بعد إصدار القانون 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي”، مؤكدا أن “العفو الملكي جاء ليدفع هذه الأسر نحو التصالح مع هذه الزراعة بما يكفل لها دخلا كريما، وليخرجها من الظروف الاقتصادية المزرية التي عاشتها لسنوات نتيجة جراء المتابعات القضائية”.
أبرز راخا، في تصريح لنفس الجريدة الالكترونية، أن “العفو الملكي سينهي سنوات التخفي التي كان يعيشها قطاع واسع من المبحوث عنهم، ولا تؤثر عليهم لوحدهم فقط؛ بل تطال كافة أفراد أسرهم بالحد من ولوجهم إلى المدارس والمستشفيات والمقاطعات الإدارية”، لافتا إلى أن “كثرة الإدانات والمتابعات بسبب زراعة القنب الهندي جعلت أغلب مزارعي هذه النبتة، بمن فيهم من يعلمون أنه غير مبحوث عنهم، يضعون أنفسهم في خانة الاتهام ويتخوفون من اعتقالهم في أية لحظة”.
وشدد الفاعل المدني، الذي يواكب بدوره تطورات هذا الملف، على أن “الملك بإصداره هذا للعفو يتوّج الخطوات التي اتخذتها الدولة في مسار الاستفادة من المنافع الاقتصادية لنبتة القنب الهندي تكرس بإصدار القانون سالف الذكر، وبذلك يحفّز صغار مزارعي هذه المناطق على الانخراط في ورش التقنين الذي يعد بمضاعفة مداخيلهم من هذه الزراعة بعدما كان القسط الأكبر منها يذهب لتجار المخدرات بالأساس”.