Partager sur :

من جنيف، عاصمة المنظمات الدولية إلى القضاء المغربي

 

 

📍جنيف،سويسرا 

عقب مبادرة مجموعة من أفراد الجالية المغربية المقيمة بسويسرا بالتبليغ عن ظاهرة استغلال الأطفال في المحتوى الرقمي لتحقيق مكاسب مالية، واستجابةً لنداءات مغاربة العالم الموجهة إلى السيدة سميرة البقالي، رئيسة جمعية “مفتاح وحلول”، للتدخل في هذه الظاهرة المتفاقمة التي اجتاحت منصة “يوتيوب” كالنار في الهشيم، شرعت السيدة الرئيسة، بعد توصلها بجميع الأدلة والمعطيات، في اتخاذ الخطوات القانونية اللازمة لمواجهة هذا الانتهاك.

وفي هذا السياق، صرّح الأستاذ رشيد غاني، المحامي بهيئة الدار البيضاء، والممثل القانوني للجمعية، في حوار صحفي، أن جمعية “مفتاح وحلول” قد باشرت بدورها الإجراءات القانونية الرامية إلى وقف هذه التجاوزات.

غير أن هذه المبادرة القانونية، التي أُطلقت في إطار حماية الطفولة وصون كرامة الإنسان، قوبلت بحملة تشهيرية ممنهجة وعدائية عبر منصة “يوتيوب”، استهدفت بشكل مباشر السيدة سميرة البقالي، وامتدت لتطال القضاء المغربي، في تطور خطير يُهدد مصداقية العمل الحقوقي واستقلالية المؤسسات.

وقد بلغت هذه الحملة مستويات مقلقة وغير مسبوقة، بعدما نشرت إحدى القنوات { لـ ، يـ } من المغرب، والتي سبق التبليغ عنها من طرف أفراد الجالية  ، تسجيلاً مرئياً يتضمن تهديدات صريحة وصادمة، محمّلة بخطاب عدائي وتحريضي ينمّ عن نوايا إجرامية تمسّ السلم العام والاستقرار المجتمعي.

وفي تصعيد غير مسبوق، تجاوزت المعنية بالأمر كل الخطوط الحمراء، حيث وجّهت اتهامات خطيرة ومباشرة إلى السلطة القضائية المغربية، مدّعية أن القضاء يُستغل كأداة لتصفية الحسابات الشخصية. وهو تصريح لا يرقى فقط إلى التشهير والإهانة، بل يشكّل مساسًا سافرًا بهيبة واستقلالية المؤسسة القضائية، ويُعدّ تطاولاً خطيراً على إحدى الركائز الأساسية للدولة المغربية، والمتمثلة في سلطة القضاء كضامن للحقوق والحريات.

إن هذا الاتهام العلني، الصادر عبر وسائط رقمية مفتوحة، لا يمكن اعتباره بأي شكل من الأشكال تعبيراً مشروعاً عن الرأي، بل يُعدّ سلوكاً خطيراً يمس جوهر النظام العام، ويُشكل تعدياً سافراً على مؤسسة القضاء، المحمية دستورياً بموجب الفصل 107 من الدستور المغربي، الذي ينص صراحة على أن “السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية”، وأنه “لا يجوز لأي أحد أن يتدخل في القضايا المعروضة على القضاء”.

وتزداد خطورة هذا الفعل حين يُوجَّه الاتهام إلى القضاء باستعماله كـ”أداة لتصفية الحسابات”، في محاولة مكشوفة لتقويض مصداقيته، وزرع الشك في ضمير الرأي العام حول حياده واستقلاله، وهو ما يُعدّ مساساً مباشراً بمبدأ الأمن القانوني، وضرباً لمؤسسات الدولة في عمق مشروعيتها.

وبناءً عليه، فإن ما تضمنه هذا المحتوى الرقمي من اتهامات صريحة لا يدخل فقط في نطاق الإخلال بالنظام العام، بل يُشكّل كذلك جريمة قائمة الأركان وفقاً لمقتضيات الفصل 263 من القانون الجنائي المغربي، المتعلق بإهانة هيئة منظمة، إلى جانب الفصول ذات الصلة بالتشهير، القذف، ونشر أخبار وادعاءات زائفة تمس بالسير العادي للمؤسسات الدستورية.

كما تضمّن الفيديو المزعوم اتهامات خطيرة مفادها أن السيدة سميرة البقالي تحاول الاستيلاء على طفلتها، “لغرض في نفس يعقوب”، بل وتجاوز ذلك إلى اتهامات صريحة بالتجارة بالأطفال، وسط عبارات مشينة تُنتهك بها الكرامة الإنسانية، من قبيل: “من لا يستطيع الإنجاب فعليه أن يتراجع للوراء”، “نحن لسنا في سوق البشرية نختار ما نريد”، “نراقب اليوتيوب ونختار ما نشاء”، “إدخال الوالدين للسجن لغرض في نفس يعقوب”، و”أنت تريدين إدخالنا في متاهات من أجل الاستيلاء على البنت”.

إن هذه التصريحات، التي تم بثها على منصة عامة، تندرج ضمن أفعال التشهير، السب، القذف، ونشر أخبار كاذبة، فضلاً عن توجيه اتهامات باطلة تتعلق بجرائم خطيرة كالاتجار بالبشر. وهي أفعال يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي، وتشكل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان وكرامة الأشخاص، وتستوجب اتخاذ كافة الإجراءات القانونية الرادعة ضد كل من يروّج لمثل هذه المزاعم الملفقة.

إن استمرار الصمت إزاء مثل هذه الانزلاقات الخطيرة من شأنه أن يُكرّس ثقافة الإفلات من العقاب، ويُهدد الثقة العامة في العدالة. 

وعليه، فإننا نلتمس من النيابة العامة المختصة فتح تحقيق مستعجل، وترتيب الآثار القانونية المناسبة، حمايةً لهيبة القضاء وصوناً لحرمة الدستور والمؤسسات.

وفي ختام هذا البيان، فإن أفراد الجالية المغربية المقيمة بسويسرا، وهم يُجدّدون ثقتهم في نزاهة وعدالة القضاء المغربي، يناشدون بكل احترام وحرص المسؤولين القضائيين، وعلى رأسهم المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئيس رئاسة العامة بالرباط ، إلى جانب نادي قضاة المغرب، والودادية الحسنية للقضاة، والجمعية المغربية للنساء القاضيات، من أجل التصدي الحازم لهذه السلوكيات الخارجة عن القانون، والتي تمس بسمعة القضاء وهيبة الدولة.

إن هذه المناشدة تنبع من إيمان عميق بأن العدالة المغربية، التي لطالما شكّلت حصناً منيعاً للحقوق والحريات، لن تقبل بأن تتحول منصات رقمية إلى أدوات للتشهير، أو أن يُستهدف رجالات ونساء القضاء بالتجريح والافتراء، تحت غطاء حرية التعبير. ونحن على يقين أن القضاء، كسلطة مستقلة ومحصنة دستورياً، سيُمارس صلاحياته بكل حكمة ومسؤولية، حمايةً لحقوق الأفراد، وصوناً للمؤسسات، وترسيخاً لثقافة دولة الحق والقانون.

 

وها نحن اليوم نرفع نداءنا، بكل وعي ومسؤولية، إلى مرآة الضمير الوطني، إلى السلطة القضائية التي لا تنحني إلا للحقيقة، ولا تنطق إلا باسم العدل.

Partager sur :