Partager sur :

تعديلات مدونة الأسرة والتجاذبات الإيديولوجية في المغرب: بين الحفاظ على الثوابت والتحديات الحديثة

 

محمد البكراوي لبزيوي 

: شهدت المملكة المغربية في السنوات الأخيرة العديد من التعديلات على مدونة الأسرة، وهي التعديلات التي أثارت جدلاً واسعًا داخل المجتمع و لازالت، مما أدى إلى بروز تجاذبات إيديولوجية عميقة بين مختلف الأطراف. وبينما تهدف هذه التعديلات وفقًا لبعض الآراء إلى مواكبة التطورات الاجتماعية وتعزيز حقوق المرأة، يرى آخرون فيها خطرًا يهدد الثوابت الدينية والشرعية التي يقوم عليها المجتمع المغربي. في هذا السياق، برزت قضايا مثل الطلاق والحقوق الأسرية وتعديل القوانين كمحاور للنقاش المستمر، مع تأثيرات محتملة قد تهدد التماسك الاجتماعي.

 

في القرآن الكريم، نجد سورة الطلاق، لكن لا توجد سورة باسم الزواج. الملفت للنظر أن سورة الطلاق، التي تحمل هذا الاسم، تشمل ست آيات تتحدث عن أحكام الطلاق وضوابطه، لكنها في نهايتها تضم ست آيات أخرى تسلط الضوء على عواقب الفساد ومعصية أوامر الله. وكأن الله سبحانه وتعالى يشير لنا من خلال هذا الربط إلى أن الطلاق، خاصة عندما يتم بغير حكمة أو وفق ممارسات غير مدروسة (كما أرادها بعض المسؤولين)، قد يكون أحد الأسباب التي تؤدي إلى تدهور المجتمعات، تمامًا كما حدث مع الأمم السابقة التي تجاوزت حدود الله..

الأسرة المغربية كحجر زاوية

تمثل الأسرة المغربية حجر الزاوية في بناء المجتمع واستقراره، وكلما ضعفت هذه الوحدة الأساسية، تأثرت أركان الدولة وقيمها العريقة. إلا أن هناك من يرى أن التعديلات الأخيرة قد تُستخدم كذريعة من قبل جهات تسعى إلى زعزعة استقرار المملكة. تلك الجهات، التي وصفت بـ"الأعداء"، تعلم جيدًا أنها لم تتمكن من النيل من مؤسسات الدولة الكبرى مثل إمارة المؤمنين، التي تُعد رمزًا للثوابت الدينية والوطنية، فلجأت إلى استهداف الأسرة كأساس للمجتمع.

الأيديولوجيات الهدامة وتفكيك الروابط الأسرية

تسعى هذه الجهات، المنتشرة عبر مختلف القطاعات والمنظومات، إلى فرض أجندات غريبة وشاذة على المجتمع المغربي، دون أن تهتم فعليًا بمصلحة المرأة أو الأسرة. تلك الأيديولوجيات تروج لفكر هدام يهدف إلى تفكيك الروابط الأسرية وزعزعة القيم التي يقوم عليها المجتمع المغربي. إنها محاولات لزرع أفكار دخيلة تهدد استقرار البلاد وتفكيك نسيجها الاجتماعي، مستغلة شعارات براقة تخفي وراءها أهدافًا تدميرية.

هذه التيارات فهمت المعنى الحقيقي لكلمة "ميثاق غليظ"، التي تشير إلى الزواج، الذي يمثل تجسيدًا للعلاقة الأسرية المبنية على القيم الثابتة التي تضمن استقرار الأسرة والمجتمع. ولذلك، حاولت النيل منه والقضاء عليه.

 و إذا نظرنا إلى المجتمعات الغربية من حولنا وتأملنا في وضع الأسر هناك، سنلاحظ أن الأرقام التي تكشف عن الأزمات الاجتماعية أصبحت صادمة للغاية. هذه الأزمات تتزايد بشكل ملحوظ كلما تراجعت العوامل المادية.

إضافة إلى ذلك، يجب أن نأخذ في الحسبان وجود بعض المنافقين و"الذئاب تحت جلد نزهاء شرفاء". هؤلاء الأشخاص يظهرون كأبرياء وشرفاء، لكنهم في الواقع يحملون نوايا خفية تهدف إلى إضعاف الثوابت الوطنية وإفساد النسيج الاجتماعي. هؤلاء يساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر في دعم توجهات أو قرارات قد تؤدي إلى تغييرات تمس الثوابت الدينية والاجتماعية للمجتمع المغربي، مثل اللجان التي انحرفت عن توصيات وثيقة "إعلان ومنهاج عمل بيكين" الأصلية، التي كانت تهدف إلى تحسين وضعية المرأة بعد مؤتمر بيكين عام 1995.

كل هذه الأفكار والأفعال تشكل تهديدًا كبيرًا لاستقرار الأسرة المغربية وقيمها، لأنها تروج لأجندات وأفكار لا تتماشى مع مصلحة المجتمع وقيمه العميقة.

أهمية الوعي والحوار المجتمعي

ختامًا، تتطلب التحديات الحالية نقاشًا ناضجًا ومسؤولًا حول التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة. يجب أن يكون هذا النقاش بعيدًا عن التجاذبات الإيديولوجية المدمرة، مركزًا على الحفاظ على التوازن بين تحديث القوانين وحماية القيم الدينية والاجتماعية التي تقوم عليها الأسرة المغربية. الأسرة ليست فقط اللبنة الأساسية للمجتمع، بل هي الضامن لاستقراره، مما يجعل حمايتها مسؤولية مشتركة لجميع أطياف المجتمع.

وفي هذا السياق، من الضروري أيضًا إعادة الاعتبار للأئمة والعلماء الدينيين والفقهاء، ومنحهم الأهمية التي يستحقونها وتوفير الوسائل اللازمة لهم لأداء واجباتهم والقيام بدورهم داخل المجتمع. فهم صمام الأمان بعد إمارة المؤمنين، إذ أنهم يشكلون جزءًا أساسيًا في الحفاظ على القيم الدينية والاجتماعية، ويضطلعون بدور محوري في توجيه المجتمع نحو الحفاظ على هويته وثوابته..

.

Partager sur :