Partager sur :

تفكيك العقلية الدبلوماسية تجاه الجزائر

 

عند تبني زاوية القراءة السيكولوجية للعقلية الدبلوماسية الجزائرية، تتضح بجلاء الطابع العصابي الذي يطبع الخطاب الدبلوماسي الجزائري في تعاطيه مع المغرب، حيث لا يعود الأمر مجرد اختلاف سياسي أو تنافس جيوسياسي، بل يتجاوزه إلى تمثل سيكولوجي مضطرب ومتوجس، تبنى عليه مواقف وممارسات تعطل منطق الدولة العقلاني وتؤسّس لعلاقات خارجية قائمة على الرهاب والانفعال لا على المصالح والتكامل. فالمغرب، بسياساته الواقعية والمنفتحة، بات يشكّل – من منظور جزائري غير معلن – نموذجا مقلقا، يتحدّى ضمنيًا مركزية السردية الجزائرية التقليدية التي طالما رأت في نفسها قطبًا إقليميا لا يُزاح.

ولهذا، فالردود الجزائرية المتشنجة في أغلبها، توحي بحالة من التهديد النفسي أكثر من كونها مواقف عقلانية مدروسة. المغرب لا يستعرض عضلاته، ولا يُمارس خطابا عدائيا، بل يشتغل على ترسيخ حضوره عبر أدوات ناعمة: تنمية داخلية، ودبلوماسية اقتصادية، وشراكات استراتيجية، واشتغال هادئ على الشرعية القانونية لمغربية الصحراء. كل هذا يربك الذهنية الجزائرية التي لا تزال أسيرة خطاب تحرري قديم لم تحدث عليه أي مراجعة معرفية أو استراتيجية، فتقابل كل خطوة مغربية ناجحة بتشنج نفسي يتمظهر في لغة خشبية، تُخفي خلفها خوفا عميقا من التحول التاريخي الذي يفرضه المغرب على المستوى الإقليمي.

إن إسقاطات الخطاب الجزائري تشير إلى نوع من الإحساس العميق بالغيرة السياسية (political envy)، وهو شعور نفسي معروف في العلاقات الدولية حين تَعتبر دولة ما أن صعود جارتها يُهدد تميزها أو مكانتها الرمزية. والواقع أن المغرب، دون أن يسعى إلى هذا، بات يمثل حالة إقليمية ناجحة على مستويات عدة: في تدبير الانتقال السياسي، في الحفاظ على استقرار مؤسساته، في تكييف هويته مع العولمة دون تفريط في العمق الحضاري، وفي هندسة شبكة تحالفات منفتحة ومتعددة. هذا النجاح المغربي لا يُقلق الجزائر لأنه يستهدفها، بل لأنه يكشف هشاشة خطابها الذي لم يعد يواكب منطق العالم.

سيكولوجيًا، يتعامل النظام الجزائري مع المغرب ليس كدولة مستقلة وذات سيادة فحسب، بل كمصدر دائم للقلق الوجودي. فكل اعتراف دولي بمغربية الصحراء لا يُقرأ كتحول طبيعي في المواقف، بل يُحوّل داخل الذهنية الجزائرية إلى نوع من "الخيانة الجماعية" للقيم والمبادئ. وهذا الإسقاط لا يمكن تفسيره إلا من خلال فهم دينامية الإسقاط الدفاعي، حيث تُحمّل البيئة الخارجية مسؤولية ما تعجز الذات عن احتوائه داخليًا. المغرب لا يمارس عدوانية، لكنه صار يُستفز بوجوده، بحضوره، بنموذجه، وهذا أقسى على النظام الجزائري من أي خلاف مباشر.

الفرق الجوهري في السيكولوجيا الدبلوماسية بين البلدين، هو أن المغرب يتصرف بثقة هادئة، من منطلق شرعية سيادية متجذّرة، وبنيان مؤسساتي متماسك، ورؤية مستقبلية واضحة. في المقابل، تُنتج الجزائر خطابًا يقوم على التأزم، وكأنها في معركة وجود لا معركة مصالح. وهذه اللاعقلانية المتجذرة في المقاربة الجزائرية تجعلها تنزلق باستمرار إلى مواقف لا يمكن تبريرها إلا نفسياً، كتجميد العلاقات، أو طرد السفراء، أو التحريض على مؤسسات دولية، وهي كلها قرارات لا تعكس واقعية سياسية، بل حالة انفعالية حادة تعكس أزمة داخلية لم تُحل.

في النهاية، يظهر المغرب كدولة تحترم منطق الدولة، وتؤمن بالشرعية الدولية، وتُراكم الإنجازات بهدوء وثقة، بينما تغرق الجزائر في تمثلات ماضوية لا تجد لنفسها موطئ قدم في حاضر يعاد تشكيله. ومن هذا المنطلق، فإن العقلية المغربية، المتزنة والمتصالحة مع ذاتها، تتفوق سيكولوجيًا ودبلوماسيًا، لأنها لا تحتاج إلى عدو خارجي لتبرير وجودها، ولا إلى افتعال خصومة لكي تُقنع الداخل بشرعيتها. المغرب ليس خصمًا للجزائر، بل شاهد على أزمة بنيتها الذهنية، وهذا ما يجعل موقفه أكثر نضجا، وأكثر قدرة على قيادة التغيير في المنطقة.

Partager sur :