
📍جنيف،سويسرا
بتاريخ الخميس 1 ماي 2025، قامت اليوتيوبر المغربية، صاحبة قناة “لـ، يـ” المثيرة للجدل كما تصف نفسها، بنشر فيديو أثار ضجة واسعة على مستوى الرأي العام الوطني والدولي.
ظهرت المعنية بالأمر في الفيديو رفقة ابنتها الصغيرة، البالغة من العمر سنتين و نصف، وبعض نساء من أفراد عائلتها، معلنة اقتناءها لعقار (دوبليكس)، وقدمت لطفلتها مفتاحين، مؤكدة أن هذا العقار مخصص لها بعد وفاتها. وجاء في تصريحها:
“ما يورث فيا لا خويا، لا أختي، لا والو، أنا وهذه اللي ضربنا عليها الكعطة”، وهي تشير بيدها إلى الطفلة التي كانت تحملها.
هذا التصريح خلف صدمة لدى الرأي العام، لما فيه من إيحاء باستغلال مباشر أو غير مباشر للطفلة في تحقيق مكاسب مادية من خلال منصة “يوتيوب”.
1. دلالة التصريح واستعمال الطفلة كوسيلة ربحية
وكما نعلم فإن عبارة “احنا اللي ضربنا عليها الكعطة” في السياق المغربي تعني بذل مجهود كبير لتحقيق مكسب معين.
ان استعمال هذه العبارة أمام الطفلة، وفي سياق التحدث عن اقتناء الدوبليكس، يُفهم منه أن الطفلة ساهمت بشكل ما في هذا الإنجاز، وهو ما يُعدّ إقرارًا ضمنيًا بأن صورتها أو وجودها كان أداة لتحقيق الربح.
2. عنصر العلنية والإقرار العفوي، والربط بين “المجهود” واستغلال الطفلة
إن كون التصريح موثقًا بالصوت والصورة على منصة عمومية يُعزز من حجيته كدليل إثبات، إذ أن القضاء المغربي يأخذ بالتصريحات المسجلة التي تصدر طواعية، ويُضفي عليها صفة الإقرار القانوني متى تضمنت اعترافًا ضمنيًا بسلوك مخالف للقانون. وفي هذا السياق، يُعتبر قول الأم: “احنا اللي ضربنا عليها الكعطة” أثناء حديثها مع ابنتها الصغيرة حول البيت، أكثر من مجرد تصريح عفوي. فهذا التعبير يُعد، أولًا، إقرارًا علنيًا بأن الحصول على العقار جاء نتيجة مجهود مشترك. غير أن هذا “المجهود” لا يمكن، بأي منطق طبيعي، أن يُنسب إلى الطفلة، مما يكشف بوضوح أن استغلال صورتها ومعاناتها كان هو الأداة الفعلية لتحقيق هذا المكسب، الأمر الذي يُضفي على التصريح طابعًا قانونيًا ذا دلالة، ويُرجّح اعتباره إقرارًا ضمنيًا يُمكن الاستناد إليه في سياق مساءلة قانونية تتعلق باستغلال القاصرين
3. الجريمة المتمثلة في استغلال القاصر
ما ورد في الفيديو يشكل شبهة قوية تتعلق بجريمة استغلال قاصر لأغراض تجارية وربحية، وفقًا لما يُجرّمه:
• الفصل 467 مكرر من القانون الجنائي المغربي، الذي يجرّم استغلال القاصرين في الأنشطة الإعلامية أو التجارية،
• واتفاقية حقوق الطفل، التي تنص في:
• المادة 32 على حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي،
• والمادة 34 على حمايتهم من أي استغلال يمكن أن يضر بمصلحتهم الفضلى.
4. الظهور المتكرر للطفلة وتوثيق لحظات حميمية يخلّ بالكرامة والخصوصية
لا يقتصر الاستغلال على التصريح الصريح الموثق، بل يتجاوزه إلى ممارسات موثقة أخرى أكثر خطورة، أبرزها عرض الطفلة في عشرات الفيديوهات على القناة نفسها، حيث تحضر بشكل مستمر في محتوى موجّه للرأي العام، دون أي مراعاة لخصوصيتها أو لحقها في الكرامة.
ومن أخطر هذه المواد، فيديو نُشر سابقًا تظهر فيه الطفلة أثناء الاستحمام، وهي في وضعية عريّ تام، بشكل لا يليق ولا يُسمح به قانونًا أو أخلاقيًا، ويُشكل انتهاكًا سافرًا لحقوقها كقاصر، بما في ذلك حقها في الحماية من التعرض لأي شكل من أشكال الإيذاء المعنوي أو الاستغلال الجنسي غير المباشر.
إن تصوير طفلة في مثل هذه الوضعية، ثم نشر المقطع أمام جمهور واسع عبر الإنترنت، يُعد فعلًا يُجرّمه القانون، ويُصنّف ضمن الأفعال التي تهدد السلامة النفسية والجسدية للقاصر، فضلًا عن كونه يُمكن أن يُعرّض الطفلة لاحقًا لمخاطر التنمر أو الابتزاز الرقمي، ما يضاعف من حجم الأضرار طويلة الأمد.
وبذلك، فإن الأمر لم يقتصر على واقعة واحدة بل يُعزز بوجود نمط متكرر من الاستغلال، يوثق لنية مبيتة في تحويل الطفلة إلى “وسيلة إنتاج محتوى” لأغراض ربحية، في انتهاك واضح لأحكام القانون الجنائي المغربي والمواثيق الدولية التي صادقت عليها المملكة.
“احنا اللي ضربنا عليها الكعطة”.. تصريح يقرّ بجريمة اقتصادية في حق قاصر
إن هذا التصريح، بحضوره العلني، وتوثيقه على منصة عامة، واستهدافه فئة هشة (طفلة قاصر لا تملك حق الدفاع عن نفسها)، يُكمل أركان جريمة الاستغلال الاقتصادي والإعلامي لقاصر.
وعليه، فإن الوضع يقتضي تدخل النيابة العامة وفتح تحقيق قضائي عاجل، حماية لحقوق الطفلة، واحترامًا لالتزامات المملكة المغربية الوطنية والدولية في مجال حماية الطفولة.