FR AR
شارك على :

المادة السادسة بين قرينة البراءة وتخليق الحياة السياسية.

عادل بن الحبيب

أعاد النقاش الدائر حول المادة السادسة من مشروع القانون التنظيمي للانتخابات طرح سؤال عميق يتجاوز حدود الاختلاف السياسي العابر، ليصل إلى صلب العلاقة بين الحقوق الفردية ومتطلبات حماية المؤسسة التشريعية. فبين من يرى أن المنع من الترشح عند صدور حكم ابتدائي يمس بمبدأ قرينة البراءة، ومن يعتبره خطوة ضرورية لتخليق الحياة السياسية، يتشكل جدل دستوري وأخلاقي يستحق التوقف عنده بتأن.

لا شك أن قرينة البراءة مبدأ دستوري أصيل، وهي قاعدة محورية في ضمان المحاكمة العادلة. على هذا الأساس، يبني منتقدو المادة السادسة موقفهم، باعتبار أن الحكم الابتدائي ليس نهائيا، وأن منع شخص من الترشح بمجرد صدور هذا الحكم يشكل في نظرهم إقصاء سياسيا غير مبرر. وإن أي تقييد للحقوق السياسية يجب أن يبنى على حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به، لا على أحكام قابلة للاستئناف وربما الإلغاء.

لكن مقابل هذا الطرح، يبرز اتجاه آخر يرى أن النقاش المتعلق بالمادة السادسة يجب ألا يحصر في بعده الحقوقي الضيق، بل يجب أن يمتد إلى البعد الأوسع، وهو تخليق الحياة السياسية. فتجربة السنوات الماضية أظهرت أن عددا من المنتخبين الذين تمت إدانتهم ابتدائيا استطاعوا الترشح والفوز بمقاعد في البرلمان، قبل أن تفاجئ المؤسسة لاحقا بأحكام نهائية تثبت إدانتهم. هذه الحالات، المتكررة نسبيا، ألقت بظلالها على صورة المؤسسة التشريعية، وعمقت أزمة الثقة لدى المواطن العادي.

النقاش حول المادة السادسة ليس قانونيا فقط، بل سياسيا وأخلاقيا في العمق. فكيف يمكن لمؤسسة أن تستمر في أداء دورها الدستوري بينما تضم بين صفوفها أشخاصا متابعين في قضايا تمس الشرف أو المال العام؟

الأفعال التي تتعلق بها المادة السادسة ليست مخالفات بسيطة، بل جرائم تمس المال العام والشرف والنزاهة، مثل الاختلاس والرشوة والتزوير والمتاجرة في المخدرات. ومنح من صدرت بحقه مثل هذه الأحكام – ولو ابتدائيا – الحق في الترشح، يعرض العملية السياسية للتشويه ويقلل من ثقة المواطن في المؤسسات. لأن مع هذا النوع من الجرائم، تصبح فكرة انتظار الحكم النهائي قبل تعليق الأهلية الانتخابية مجرد ترف قانوني لا يخدم المصلحة العامة. ذلك أن الزمن القضائي بطيء بطبيعته،

وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت أوضح أن المادة السادسة لا تشكل عقوبة مسبقة، بل تدبيرا احترازيا يحمي المؤسسة التشريعية من أي اختراق قد يمس نزاهتها أو يقلل ثقة المواطنين بها. وفي هذا السياق، شدد السيد الوزير على أن المادة السادسة جاءت في الأصل لتعزيز النزاهة وحماية البرلمان من كل من تحوم حولهم شبهات، مبرزا أن تخفيف شروط المنع من الترشح يمس جوهر عملية التخليق. وأكد أن حماية العملية الانتخابية تتطلب الصرامة، مستشهدا بحالات التلبس بالرشوة الانتخابية التي لا يمكن انتظار حكم نهائي للبتّ فيها، كما قدّم أمثلة دولية، منها منع مارين لوبان من الترشح في فرنسا بحكم ابتدائي فقط.

التوازن بين قرينة البراءة وتخليق الحياة السياسية ليس مسألة اختيار بين حق وباطل، بل ترتيب أولويات بين الحق الفردي والحق الجماعي. السياسة ليست حقا مطلقا، بل مسؤولية وتكليف؛ ومن لم تثبت نقاء صفحته القضائية، ولو مؤقتا، لا يمكن أن يمثل الأمة أو يشرع لها. تعليق الحقوق السياسية مؤقتا لمصلحة عامة عليا ليس مساسا بالديمقراطية، بل شرط لحمايتها، ويعكس إدراكا بأن المجتمع الديمقراطي الحقيقي يختار النزاهة والسمعة العامة قبل الحسابات الشخصية الضيقة.

في جوهرها، تجسد المادة السادسة هذا التوازن بين حماية الحقوق الفردية واحترام قرينة البراءة من جهة، وضمان نزاهة الحياة السياسية ومصداقية المؤسسات من جهة أخرى، وتؤكد أن استمرارية الديمقراطية وجودة التمثيل ليست حقوقا تمنح تلقائيا، بل مسؤوليات تصان بدقة وعناية.

 

 

 

 

Partager sur :