
شكل قرار الرئيس الأمريكي الإعتراف للمغرب بسيادته على صحرائه حدثا تناقلته كبريات الصحف الوطنية والدولية.
فما بين أصدقاء وحلفاء مؤيدين ومباركين لهذه الخطوة التاريخية الشجاعة للولايات المتحدة الأمريكية وخصوم معارضين للوحدة الترابية للمملكة ومشكيكين في خلفيات هذا الإعلان، بل وحتى واضعين فرضية الصفقة والمقايضة... توالت ردود الأفعال، وتناسلت التصريحات والتصريحات المضادة.
فكان أن كسبت المرأة المغربية في شخص السيدة نعيمة بلفايدة الرهان، واستطاعت أن تضمن الحضور الفعلي والمشاركة الوازنة، صباح يوم السبت 12 دجنبر 2020, داخل فضاء المركب التربوي غوستاف إيفيل، لأساتذة يشهد لهم القاصي والداني بالخبرة والكفاءة العلمية لينوروا الرأي العام الوطني والدولي من خلال مداخلات وازنة ومركزة سلطوا من خلالها الضوء على تداعيات الإعلان الأمريكي للرئيس دونالد ترامب وأثره القانوني وحجيته وبعده الجيوستراتيجي على المنطقة.
"قراءات متقاطعة في الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء: الدلالات والرهانات والمآلات"، كان هذا هو عنوان الندوة الوطنية التي جمعت كلا من الأستاذ صبري الحو المحامي بهيئة مكناس والخبير في القانون الدولي والهجرة، والدكتور أحمد بوجداد أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بالرباط والدكتور ميلودي بلقاضي المحلل السياسي و الأستاذ الباحث والأكاديمي المتخصص في الفكر الإسلامي احمد البوكيلي، تحت التسيير المتميز لأستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش الدكتور عبد الفتاح البلعمشي.
المتدخلون أمتعوا الحضور بالقيمة الفكرية والعلمية لتدخلاتهم الوازنة حيث أكد الأستاذ صبري الحو بأن القرار الأمريكي ليس وليد لحظة مزاجية للرئيس ولا ردا لجميل بلد كان أول من اعترف باستقلال أمريكا سنة 1777، بل هو دليل دامغ على شرعية تاريخية تتبث بأن المغرب كان بلدا ذو سيادة بنطاقه وإقليمه الجغرافي المعترف به حاليا يمارس اختصاصاته الدبلوماسية منذ القدم وليس وليد تقطيع استعماري كما يحاول الخصوم الترويج لذلك. وبهذا القرار، يضيف الأستاذ صبري، يكون المغرب اعتبارا لكون أمريكا دولة عظمى ومختصة ومعتادة على تحرير مسودات قرارات مجلس الأمن قد ضمن طرفا أساسيا من داخل هذا المجلس والذي يستحيل أن يصدر قرارا يناقض به مصالح المغرب المكتسبة.
وفي ذات الصدد، جاءت مداخلة الدكتور ميلودي بلقاضي الذي قام بتفكيك خطاب بلاغ الديوان الملكي وقراءة أبعاده. ليؤكد بدوره بأن قرار ترامب جاء نتيجة مسار طويل من التفاوض وجمع المعطيات وليس قرار آخر لحظة كما يحاول البعض الترويج لذلك، كما أن له قوة قانونية وسياسية لأنه مرسوم رئاسي تم وفق الفصل الثاني من الدستور الأمريكي الذي مورس من طرف جميع الرؤساء الأمريكيين، حيث سيتبين للمتتبعين للسياسة الأمريكية بأن على مدى خمسين سنة من ممارسة هذا الحق الدستوري لم يتبث أن قرارا رئاسيا أمريكيا ذهب عند مجلس الشيوخ لإعادة الطعن فيه أو ذهب إلى المحكمة الدستورية. فكل القرارات الرئاسية التي اتخذها الرؤساء الأمريكيون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لازالت سارية المفعول إلى يومنا هذا.
الدكتور محمد بوجداد من جهته، أكد بأن الحدث جديد وقوي ومركب وينبغي التعامل معه بحذر، كما تطرق إلى ما أوردته الصحافة الأمريكية بشأن هذا الإعلان الرئاسي وركز خصوصا على ما أوردته صحيفتي الواشنطن بوست ونيويورك تايمز لتأثيرهما القوي في صناعة السياسة الأمريكية.
فبعد المقاربات القانونية والدستورية والتحليل الدولي الذي تفضل بتناولهم قامات كبيرة في هذا المجال جاء الدور على الأستاذ الباحث والأكاديمي المتخصص في الفكر الإسلامي أحمد البوكيلي ليجدد التأكيد على موقع المعرفة في الدفاع عن القضايا الوطنية ويؤكد على قيمة تحصين الشخصية المغربية بالخطاب الأكاديمي والخطاب العلمي، وحيث أن أية مقاربة أكاديمية ترتبط بما يسمى بالنموذج المعرفي paradigme, فقد ارتأى بأن يقرأ تحولات هذا القرار الرئاسي بمنظور الفلسفة الحضارية والتحليل الروحي. فأعداء الوحدة الترابية يروجون لخطاب مسموم مفاده بأن الإعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه جزء من صفقة سياسية في المنطقة، ومتناسين بأن قرار أمريكا القوي نابع من قناعتها كدولة بالقضية العادلة للمغرب الذي لايمكن اختزاله في خريطة جغرافية بل هو يمثل قوة حضارية يرأسها أمير المؤمنين بما يمثله من شرعية تاريخية.
ومابين المداخلة والمداخلة، كان مسير الندوة الدكتور عبد الفتاح البلعمشي يلخص بشكل مركز مداخلة كل أستاذ على حدة تنويرا للمتابعين ليختتم الندوة بالتأكيد على ضرورة إسراع الدبلوماسية المغربية إلى استثمار هذا الإنجاز التاريخي للحسم النهائي للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية.