عبدالله سدراتي - نظرًا لقلّة الدراسات والكتابات حول فن أحيدوس ، يصعب تحديد تاريخه بدقة، والوقوف على لحظات نشأته وتطوره عبر الزمن .. غير أنّه أصبح من المؤكد أنّ هذا الفن ظلّ، على الدوام ، مقترنًا بحياة سكان منطقتي دادس– مكون، اللتين حافظتا عليه من الإندثار والانقراض، وهو ما لم يكن ليتحقق لولا كونه جزءًا لا يتجزأ من نسيج حياتهم اليومية، ومنغرسًا في نمط عيشهم وتراثهم، بل وفي تشكيل شخصيتهم الجماعية ومعتقداتهم الرمزية .. فقد توارثته الأجيال أبًا عن جد بوفاء وصدق، وأسهم كل جيل في إغنائه وتطويره وفق ما راكمه من خبرة وتجربة في الحياة.
ولزمن غير بعيد، كان هذا الفن يُختزل في كونه مجرد عنصر لتأثيث المواسم والحفلات وطقوس التدشين والاحتفاء، وهو اختزال يُعدّ تقزيمًا لوظيفته الرمزية والاجتماعية، بل يمكن اعتباره خطأً معرفيًا فادحًا .. إذ إن الواجب الثقافي والعلمي يقتضي التعامل مع فن أحيدوس بوصفه منظومة فكرية وجمالية متكاملة، ومنظومة ثقافية قادرة على قراءة الإنسان في شموليته، وفي آفاقه وأبعاده ومستوياته الفكرية المتعددة والمتشابكة، من خلال ما تنتجه من إبداع جماعي، وما تعكسه من فن للعيش وتمثل للعالم.

وقد ظهرت، خلال فترات متفرقة، مجموعات فنية سعت إلى إبراز هذا الفن بوصفه تعبيرًا عن تميّز المنطقة وفرادتها الثقافية، وحاولت تطويره عبر إدخال تجديدات على مستوى الأدوات والإيقاعات والألبسة وأساليب الأداء .. غير أنّ هذه المبادرات لم تحظَ بالاهتمام الذي تستحقه، مما ساهم في اتساع الفراغ الفني الناتج عن اختفاء بعض هذه المجموعات لسنوات .. إلى أن برزت فرقة تزويت، برئاسة الشاب الغيور على هذا الفن إبراهيم أودرى، رفقة ابن أخيه يوسف بلهوى الذي أوصل هذا الفن العالمية ، إلى جانب نخبة من الشباب المتميزين والمهتمين بهذا المجال والذين يشتغلون معه، حيث قادوا الفرقة نحو إشعاع أوسع، وبذلوا جهودًا ملموسة لإبرازها، ومحاولة سدّ الفراغ الفني الذي عانت منه الساحة المحلية في مرحلة قريبة، دعما لاستمرارية هذا الفن الشعبي الراقي وحماية له من الاندثار.

لقد آن الأوان لأن ينهض الفاعلون الثقافيون، وذوو الاختصاص من الباحثين في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، ولا سيما من أبناء هذه المنطقة، بمسؤوليتهم العلمية في توثيق هذا التراث الجمالي وحمايته، في ظل روافد ثقافية متعددة ومنفتحة على العالم المعاصر .. وذلك عبر بذل الجهد في كتابة هذا الفن، والعناية بلغته وكلماته ورموزه، خصوصًا في سياق الرقمنة المتسارعة التي تطغى على عالم اليوم، وفي زمن يتخبّط فيه الإنسان في البحث عن ذات مفقودة وسط زخم الحياة وضغوطها المتزايدة .. إنّ صون الذاكرة الأمازيغية يظل، في هذا السياق، ضرورة ثقافية وإنسانية، باعتبارها موروثا غنيا بالقيم والدلالات، وحاملا لحمولة رمزية عميقة تتجاوز حدود الزمان والمكان
عبدالله سدراتي - مراكش الحمراء



