
إن أبلغ قول قد يقال في هذا الصدد أن بلاد المسلمين أصبحت بلدانا تعتنق الكفر أكثر من الكفار أنفسهم، ولا مبالغة في هذا، إن ناشئة البلدان الإسلامية لا يتسمون بسمات الإسلام وأصبح من يبحث عن كماليته في الإسلام كالبصير وسط مدينة العميان، فأصبح سليم الفطرة ينعت بالغريب وأصبح التمرد عن الفطرة أمرا اعتياديا.
إن واقعة التحرش في طنجة قسمت الناس إلى ثلاثة أقسام، قسم يرى التحرش جريمة والتبرج جريمة، وقسم يرى التحرش جريمة والتبرج حرية شخصية، وقسم يرى التبرج جريمة والتحرش جزاؤه، وأكثر ما قد يزيد الطين بلة وهو تبرير الأخطاء التي من المفروض تصحيحها لا الدفاع عنها، أنا مع القسم الأول فأرى التحرش جريمة والتبرج جريمة أيضا، فلا أبرر التحرش بتبرج الفتاة ولا أبرر التبرج بالحريات الشخصية، وقد صادفت عدة تعليقات مخزية تدمي القلوب، وهي في غالبيتها تعليقات تعود للمراهقات، فقالت إحداهن أن الرجال يعرفون الدين في التبرج فقط وأغلبهم في رمضان يشاهد الأفلام الإباحية، فقد أعطت حكما عاما وكأن لها رقابة على كل الناس فهذا التبرير الذي أعطته تبرير يصف حالتها فقط لأنها بدفاعها عن التبرج تغطي تبرجها أولا قبل تبرج المعنية في الفيديو، ثم إن تبرير الخطأ هو خطأ في حد ذاته، والأخطاء تقابل بالتصحيح ولا تصحح بالأخطاء، وبعض الشباب أيضا علق أن كما تدعي الفتيات أن التبرج حرية شخصية فالتحرش حرية شخصية أيضا وإن كان التحرش يؤذيهن فالتبرج يؤذي الذكران أيضا، فلربما هو على صواب في مسألة إذاية الفتاة للذكر بتبرجها، ولكن الأخطاء لا تصلح بالأخطاء.
لمعالجة أمر التحرش يجب أن نفهم معنى التحرش أولا لأن التحرش يختلف باختلاف منظور كل شخص، فهناك من يرى أن التحرش يبدأ من الهمسات والغمزات والإيحاءات، وهناك من يرى أن التحرش يبدأ من الكلام وهناك من يعتبر هذا تغزلا فقط، وهناك من يرى التحرش هو اللمس، وهناك من الفتيات من تقول أن التحرش على حسب الشخص المعني بالفعل، فالمتحرش الغني هو متغزل بورجوازي أما الفقير فهو متحرش حقير، وهذا الكلام دليله الواقع المحسوس وليس حس الخيال، ثم قال البعض أن المتحجبات لا يتعرضن للتحرش فثارت بعض الفتيات نافية هذا وقالت أن المتحجبات يتعرضن للتحرش أيضا، وأرى أن غالبية المتحجبات التي قصدنهن بهذا الكلام هن اللواتي يرتدين غطاء الرأس فقط، مع أن الحجاب والتحجب ستر عام ووقار تام، فالحجاب لا يمشي وحده بل يتماشى معه أخلاق الحجاب من حياء واحترام إلخ، الستر وأخلاقياته يحد من ظاهرة التحرش وليس يمنعها نهائيا، والزواج المبكر وسيلة للحد من هذه الظاهرة أيضا، ولا أشجع على الزواج المبكر بتهور وبدون أدنى شروط العيش الكريم، وقد يصادف أن يقول أحدهم أن أوروبا على سبيل المثال تتخذ العري منهجا ومع ذلك ظاهرة التحرش قليلة جدا وهذا التعقيب صادفته سابقا، إن شباب أوروبا سواء الفتيات منهن أو الفتيان يشبعون شهواتهم الجنسية عن طريق العلاقات خارج إطار الزواج، والتحرش يكون نِتَاجَ فَقْرٍ عاطفيٍّ وكُبْتٍ جنسيٍّ، لذلك فشباب أوروبا غَذَّوْا غرائزهم فبطبيعة الحال ستنقص ظاهرة التحرش بينهم ولكن في نفس الوقت ستتفشى ظواهر بئيسة بينهم في المجتمع وتكون لها نتائج وخيمة.
هناك فئة شاذة مريضة لا تحترم كبيرا ولا صغيرا ولربما يمر ذكر بانحاءة بارزة في مؤخرته أمام أحدٍ من هؤلاء المعتوهين فيتلفظ عنه بكلام جارح فماذا عساك أن تمر أمامه فتاة سواء أ كانت متبرجة أم متحجبة، وكما قلت أن التحرش يختلف باختلاف منظور كل شخص فقد ترى إحداهن أن الكلام ليس تحرشا بل هو ثناء فقط، وقد تراه أخرى تحرشا، ولا ننسى الظاهرة الحديثة وهي ظاهرة تحرش الفتيات بالذكران.
إن التبرج ليس بحرية شخصية والتحرش ليس بحق دستوري فالأمور وجب وضعها في مظانها، والأخطاء لا تصلح بالأخطاء بل تصلح بالصواب، وتبرير الأخطاء هو خطأ في حد ذاته.
أحمد دخيسي.