قال عبد الله بوصوف، المؤرخ المغربي الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، إنّ النموذج المغربي في التدين أضحى ذا بُعد كوني، لكنه لم يُواكَب بمجهود نظري للتعريف به على نطاق واسع، حتى على الصعيد المحلي، مستدلّا على ذلك بالمناهج الدراسية التي تحتوي على "مضمون نصفه شرقي والنصف الآخر فرنسي أو إنجليزي، بينما تغيب عنه الشخصية المغربية".
وفي محاضرة ألقاها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مساء الخميس، في موضوع "النموذج المغربي والتحديات المعاصرة"، دعا بوصوف إلى إعادة النظر في مناهج تدريس علوم الدين، قائلا إنّ الدراسات الإسلاميات لم يعد ممكنا أن تُدرّس بمعزل عن العلوم الأخرى، كالفلسفة والاقتصاد والعلوم الاجتماعية، لكي يتمكّن الطلبة الخريجون من التفاعل مع الواقع ويندمجوا فيه.
ونادى المتحدث بتغيير طرائق تدريس التاريخ، وكذا الكتابة عنه، قائلا: "في فرنسا يجزّئون تاريخهم إلى أجزاء صغيرة وبلغة ميسّرة، ليسهُل على (الطالب) الجديد فهمه واستيعابه، وهذا غير موجود في المغرب".
وتأسف بوصوف لغياب كتب تتناول النموذج المغربي بمختلف اللغات التي يتحدث بها أفراد الجالية المغربية المقيمون بالخارج، رغم أنّ أعدادهم بمئات الآلاف، وتساءل: "كيف يمكن لأبنائنا المقيمين بالخارج أن يتعرفوا على الثقافة المغربية وعلى النموذج المغربي في غياب إنتاجٍ معرفي باللغات التي يتحدثون بها في بلدان إقامتهم؟".
الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج أرجع سبب الاستقرار والأمن اللذين ينعم بهما المغرب، وسط محيط إقليمي ودولي يعج بالاضطرابات وبالأعمال الإرهابية، إلى نموذجه الفريد، موضحا أن "هناك اتفاقا شبه ضمني على أن هذا الاستقرار الذي ننعم به يعود الفضل فيه إلى هذا النموذج المغربي الذي ساد البلاد قديما وحديثا، ونموذج التدين المعتدل المتسامح والمحترم للآخرين".
وأردف أنّ "النموذج المغربي، رغم كونه نموذجا كونيا، فمن المغرب انطلق الإسلام نحو الأندلس، وفي الوقت الراهن أصبح المغرب قِبْلة لتكوين الأئمة القادمين من إفريقيا ومن أوروبا، فقط التعريف بهذا النموذج ما زال يشوبه تقصير على مستوى التنظير والبحث وعلى مستوى جعله في متناول الآخرين"، وهو ما يحتّم، يضيف المتحدث، "تجاوز هذا التقصير، خاصة وأن العالم يشهد اليوم محاولات مكثفة وحثيثة للسيطرة من طرف بعض التيارات الدينية والإيديولوجية".
في هذا الإطار، انتقد صاحب كتاب "الإسلام والمشترك الإنساني: تسامح واحترام وعيش مشترك"، النظرة الاختزالية إلى الآخر في عالم اليوم، التي تقوم على خلفيات تاريخية، دون التعرف عليه حقيقة، داعيا إلى الانكباب على حل هذا الإشكال من خلال الحوار، خاصة وأن العالم "أضحى أشبه بباخرة فاقدة للبوصلة ومُشوكة على الغرق في أي لحظة، نظرا للتحديات الصعبة التي يشهدها، والتي تجعل الإنسان مهدّدا في إنسانيته".
وتوقف بوصوف عند بعض الإشكاليات ذات الطبيعة الدينية والسياسية المطروحة على الساحة، كمسألة طبيعة الحُكم، مبديا دفاعه عن إمارة المؤمنين وعن عَقد البيعة الذي عدّه بمثابة العقد الاجتماعي في الفكر السياسي المعاصر، ذلك أنّ البيعة، كما جاء على لسان المتحدث، "تستجيب لمقتضيات الديمقراطية، وهي مسألة أساسية لأنها نتيجةٌ لتوافقات مجتمعية".