استقبلت الجالية الإسلامية تصريحات الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون بكثير من الاستغراب والاستنكار بشأن ما أسماه تهديد الإسلام السياسي لقيم الجمهورية الفرنسية، متوعدا بمحاربته دون هوادة.
واعتبرت انتقادات ماكرون للدين الإسلامي أمرا غير مسبوق في حدّتها وصرامتها منذ توليه الحكم قبل عامين ونصف العام.
كما أن هذه الانتقادات جاءت منفصلة عن أي سياق، لأنها كانت ضمن حوار ماكرون أمام ملايين الفرنسيين لاقتراح حلول للمشاكل التي تعاني منها فرنسا، بعد تفجر احتجاجات حركة السترات الصفراء المتواصلة منذ نحو ستة أشهر.
كبش فداء
واستنكر الحاج التهامي بريز رئيس "اتحاد مسلمي فرنسا" في منطقة باريس - وتنضوي تحته أكثر من ثلاثمئة جمعية إسلاميةـ تصريحات ماكرون، معتبرا أنها تهدف للاستهلاك الإعلامي وللتغطية عن المشاكل الحقيقة التي تتخبط فيها فرنسا، حسب وصفه.
وقال التهامي بريز للجزيرة نت إن المنظمات الإسلامية الفرنسية ترفض أن يتحول المسلمون إلى كبش فداء للحكومة الفرنسية بسبب عجزها عن تقديم حلول للمشاكل التي يعاني منها الفرنسيون في كل القطاعات، ومحاولة للالتفاف على مطالب ملايين الفرنسيين من حركة السترات الصفراء الذين خرجوا من أجل المطالبة برفع الأجور وخفض الضرائب التي تثقل كاهلهم.
الحاج التهامي أكد أن المنظمات الإسلامية تعمل على تحصين الشباب من كل أشكال الغلو والتطرف (الجزيرة) |
أراجيف
ونفى الحاج التهامي بريز وجود إسلام سياسي في فرنسا، واعتبر أن الأمر مجرد أراجيف واتهامات لا أساس لها.
وأضاف أن المنظمات الإسلامية لا تمارس أي نشاط سياسي، ولكن تقوم بدور دعوي وبنشر إسلام معتدل، وتحصين الشباب من كل أشكال الغلو والتطرف، كما أنها تقف إلى جانب الحكومة الفرنسية في محاربة الإرهاب.
وأوضح التهامي بريز أن الأغلبية الساحقة من المسلمين تلتزم بالقوانين الفرنسية وبعلمانية الدولة، وحذر في الوقت عينه من محاولة بعض الأطراف -التي لم يسمها- بجر الرئيس ماكرون لمعاداة المسلمين لأغراض سياسية بحتة، حسب تعبيره.
في السياق ذاته، استغرب أنور كبيبش نائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ورئيس منظمة "تجمع مسلمي فرنسا"، استخدام الرئيس الفرنسي لأول مرة تعبير "الإسلام السياسي في فرنسا".
وقال كبيبش في تصريح للجزيرة نت إن الرئيس ماكرون كان من عادته أن يكون أكثر حذرا في توصيفاته، لكي لا يكون هناك خلط بين الإسلام والتشدد والإرهاب.
أنور كبيبش قال إن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية لن يسمح لأي جهة بوسم الإسلام بالإرهاب (الجزيرة) |
ولفت كبيبش إلى أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية لن يسمح لأي جهة بوسم الإسلام بالإرهاب، مؤكدا في الوقت ذاته تكريس جهوده ووقوفه إلى جانب الحكومة الفرنسية في محاربة كل أشكال التشدد والتطرف.
براءة
وكان ماكرون في معرض حواره تحدث أيضا عن انتشار الطائفية، وتراجع قيم العلمانية في بعض الأحياء الفرنسية، بسبب انتشار أفكار الإسلام السياسي، حسب وصفه.
وفي هذا الإطار، قال نائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بوجود أحياء في الضواحي الفرنسية تعيش نوعا من الانغلاق، لكن رفض تشخيص الرئيس ماكرون، الذي ربط هذه الظاهرة بانتشار الإسلام والقيم الإسلامية.
واعتبر كبيبش أن أسباب تحوّل هذه الأحياء إلى "غيتوهات" ليس دينيا، وليست لها علاقة بالإسلام، ولكن بسبب كل أنواع التهميش والتمييز التي شملت هذه الفئة الاجتماعية منذ عقود من طرف الحكومات المتعاقبة، وبسبب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والبطالة التي تعيشها بشكل يومي، حسب تعبيره.
تحويل الأنظار
وتأتي تصريحات الرئيس الفرنسي عن الإسلام في فرنسا في سياق حوار كان ينتظره الملايين من الفرنسيين، بعد انتهاء ما يعرف بالحوار الوطني الذي انطلق قبل ثلاثة أشهر في محاولة منه تقديم حلول ناجعة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي فجرت حركة السترات الصفراء.
جانب من اللقاء السنوي لمسلمي فرنسا في دورته الـ36 في أبريل/نيسان الجاري بباريس (الجزيرة) |
ويرى الأكاديمي الفرنسي والمحلل السياسي الدكتور نبيل الناصري أن تصريحات ماكرون عن الإسلام غير مسؤولة، لأنها جاءت للتغطية على المشاكل الحقيقية التي خرج من أجلها ملايين الفرنسيين، بينها التنديد بتردي أوضاعهم المعيشية، ومطالبتهم بالعدالة الاجتماعية، وإصلاح قطاعي التعليم والصحة، وخفض الضرائب.
واعتبر الناصري في تصريح للجزيرة نت، أن ماكرون وصل مرحلة مفصلية في ولايته ولم يتمكن من إيجاد حلول لكل هذه المشاكل المستعصية، وبالتالي لم يجد غير التهجم على الإسلام والمسلمين وتحويل أنظار ملايين الفرنسيين الذين كانوا ينتظرون منه حلولا لمطالبهم، تطمئنهم على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
وأكد الأكاديمي الفرنسي أن لا وجود للإسلام السياسي في فرنسا، بل إن الأمر مجرد فزاعة استخدمها ماكرون مثل سابقيه من الرؤساء الفرنسيين السابقين من أجل تحويل أنظار الرأي العام الفرنسي عن المشاكل الحقيقية التي تتخبط فيها البلاد، ومحاولة منه للالتفاف على مطالبهم المشروعة.
يذكر أن آخر استطلاع للرأي نشرته قناة "بي أف أم" الفرنسية يوم الجمعة، خلص إلى أن 77% من الفرنسيين لم يقتنعوا بمقترحات الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون للخروج من الأزمة الاجتماعية وللرد على مطالب السترات الصفراء، والتي أقحم فيها انتقاداته للدين الإسلامي.