في الوقت الذي يقود خلاله الملك محمد السادس سلسلة من المشاريع الضخمة بهدف التموقع الاستراتيجي وجعل المغرب رقما أساسيا وصعبا في ظل سياق دولي متقلب ومليء بالمخاطر، وفي السياق الذي تنخرط فيه مؤسسات دبلوماسية وأمنية ورياضية في تنزيل هذه الرؤية الملكية على أرض الواقع والترويج لصورة المغرب وتسويق استقراره ومصداقيته في مختلف الشراكات على مستوى المحافل الدولية، والتي كان آخرها إجماع العالم على منح المغرب شرف تنظيم كأس العالم، إضافة إلى تنظيم اجتماع رفيع المستوى في مراكش يهم منتدى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والحدث الأخير المتعلق بتنظيم الجمعية العامة للأنتربول...
غير أنه بالموازاة مع كل هذه النجاحات لا زالت السياسة الداخلية للمغرب تعرف العديد من الاحتقان، بحيث نصبح ونمسي على وقع الاحتجاجات الفئوية التي لا تنتهي في الشوارع المغربية.
والحقيقة الساطعة التي لا يمكن إغفالها -تغطيتها بالغربال- تقول إن السرعة التي يسير بها ملك المغرب محمد السادس، في تدبير شؤون الدولة، تفوق بسنوات ضوئية السرعات التي تسير بها مؤسسات الحكومية والحزبية المنتخبة، سيما في بعض القطاعات الوزارية والجماعات الترابية التي أصبح وجودها وعدمها سيان.
إنه من الصعب أن تتساكن وتيرة قطار فائق السرعة مع مشية سلحفاة، بين سرعة ملك يصنع الحلول وسرعة وزير أو رئيس جماعة ينتج المشاكل ويرمي بها للمؤسسة الأمنية لاستنزافها في التدبير اليومي وإدخالها في نفق مظلم، بالنظر إلى أن المؤسسات الأمنية لها رهانات أمنية استراتيجية ودولية أكبر فيما هو متعلق بمحاربة الإرهاب واستئصال جذوره، ومحاربة الجرائم العابرة للحدود.
ومع الأسف فإن مؤسسات الوساطة والمنتخبين وبعض الوزراء الذين أثبتوا فشلهم ليس فقط في حالة شاردة وغير قادرة على الظهور بشكل مقنع أمام المغاربة، بل إن جل الملفات التي تدبرها كانت ميزتها الأساسية هي الارتباك وإنتاج الأزمات وتصديرها للشارع العام ليتكفل بها رجل الأمن، مما جعلنا أمام مغربين، مغرب يحظى باحترام العالم نظرا لحضوره المتميز في العديد من الأنشطة الدولية، ومغرب منتج للغضب الاجتماعي في ملفات التعليم وغلاء الأسعار والسياسة المائية والبطالة والطاقة واللاعدالة الاجتماعية والمجالية.
وما يبعث على التذمر هو أنه في اللحظة التي تنتج الحكومة قرارات مهمة في مجال الحماية الاجتماعية والتأمين الصحي والدعم الاجتماعي المباشر للأسر والسكن الاجتماعي، يأتي وزير لكي يهدم كل ذلك بقرار غير مدروس.