لطالما أثارت العلاقة بين المغرب والجزائر نقاشات حادة على المستويين السياسي والإعلامي، لا سيما عندما تأتي التصريحات من شخصيات بارزة ومثيرة للجدل. تصريحات السياسي والكاتب الفرنسي إريك زمور الأخيرة أضافت بُعدًا جديدًا لهذه النقاشات، حيث وصف المغرب بأنه "نموذج لدولة حقيقية" يتميز بتماسكه السياسي واستمراريته التاريخية، في مقابل انتقادات للجزائر، التي وصفها بأنها تعتمد على "اختلاق أساطير" لإعادة صياغة هويتها الوطنية و أن "الجزائر ليست أمة ولم تكن أبدًا " هذه الكلمات أثارت جدلًا واسعًا، لكنها في الوقت نفسه أعادت تسليط الضوء على واقع تاريخي مدعوم بالوثائق والشهادات.
إريك زمور: تصريحات تعكس واقعًا وتاريخًا
قال إريك زمور: "المغرب هو نقيض الجزائر؛ ما يمتلكه المغرب يفتقده الآخرون. المغاربة يعرفون أصولهم، بينما يلجأ البعض الآخر إلى اختلاق أساطير لإعادة كتابة التاريخ. المغرب يمثل نموذجًا لدولة حقيقية، تجمع بين استمرارية تاريخية عريقة وكيان سياسي وثقافي متماسك على مر القرون."
زمور، المعروف بجرأته ومواقفه المثيرة للجدل، ألقى الضوء على نقطة جوهرية مفادها أن المغرب يتمتع باستمرارية تاريخية عززت من قوته السياسية والاجتماعية. وفي المقابل، انتقد الجزائر التي وصفها بأنها تعاني من أزمة هوية بسبب انقطاع استمراريتها التاريخية، مشيرًا إلى محاولات إعادة كتابة تاريخها لتبرير الواقع الحالي.
التاريخ يشهد: شهادة الجنرال ليوطي
تصريحات زمور ليست معزولة، بل إنها تستند إلى حقائق تاريخية أكدها العديد من الشخصيات الفرنسية خلال الحقبة الاستعمارية. الجنرال الفرنسي هوبير ليوطي، الذي قاد السيطرة الفرنسية على شمال إفريقيا مثلا، سبق و أن صرّح في سياق حديثه عن المغرب والجزائر أن فرنسا واجهت في المغرب دولة قائمة ونظامًا متماسكًا يتمتع بكيان سياسي وثقافي واضح، في حين كان الوضع في الجزائر مختلفًا تمامًا.
هذا الاعتراف من ليوطي و من قادة آخرين و كتاب و مؤرخين أجانب يعكس الفرق الكبير بين بلد حافظ على مؤسساته وهويته التاريخية، مثل المغرب، وبين بلد مثل الجزائر، عانى من صعوبة بناء هويته الوطنية نتيجة تراكمات الاستعمار الفرنسي الذي دام لأكثر من 130 عامًا، إضافة إلى تأثيرات المرحلة التي تلت الاستقلال.
الاستمرارية التاريخية للمغرب مقابل التحديات الجزائرية
يعكس المغرب نموذجًا فريدًا في المنطقة المغاربية من حيث الاستمرارية التاريخية. فالنظام الملكي الذي استمر لقرون يلعب دورًا رئيسيًا في ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي، مما جعل المغرب يحتفظ بهويته الوطنية دون انقطاع.
في المقابل، واجهت الجزائر تحديات كبيرة في بناء هويتها الوطنية، بدءًا من حرب الاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي، التي كانت من أعنف حروب التحرير في العالم، وصولًا إلى العشرية السوداء التي خلفت آثارًا عميقة على المجتمع الجزائري. هذه التحديات جعلت الجزائر تعتمد على روايات تاريخية لتشكيل هويتها الوطنية، وهو ما وصفه زمور بـ"اختلاق أساطير".
قراءة سياسية للتصريحات
تصريحات زمور تتجاوز البعد التاريخي لتأخذ أبعادًا سياسية تعكس علاقات فرنسا بالدولتين. المغرب يُنظر إليه كشريك استراتيجي لفرنسا في المنطقة، بينما تتسم العلاقة بين فرنسا والجزائر بالتوتر، نتيجة الإرث الاستعماري والخلافات المستمرة حول قضايا الهجرة والذاكرة التاريخية.
زمور في تصريحاته ينحاز بوضوح للمغرب، ليس فقط من منظور تاريخي، بل أيضًا كدولة تقدم نموذجًا للاستقرار السياسي والاقتصادي، مقارنة بجارتها الجزائر التي لا تزال تواجه صراعات داخلية وتحديات مؤسسية.
الواقع والتاريخ لا يرتفعان
ما قاله زمور يعكس حقيقة يعرفها الجميع: المغرب كان دائمًا دولة قائمة بذاتها، ذات هوية تاريخية واضحة واستقرار سياسي متين، بينما الجزائر عانت من غياب مؤسسات قوية قبل وأثناء الاستعمار، وهو ما أثّر على بناء دولتها الحديثة. هذه الحقيقة تؤكدها الوثائق التاريخية وشهادات شخصيات فرنسية .
الجزائر الحديثة تأسست في سياق ما بعد الاستعمار، مستندة بشكل كبير على حرب التحرير كأساس للهوية الوطنية. ومع ذلك، هذا الأساس يواجه تحديات متكررة، أبرزها غياب سردية تاريخية متماسكة لما قبل فترة الاستعمار. وهذا ما دفع بعض النخب الجزائرية إلى محاولة إعادة صياغة التاريخ من خلال أساطير أو روايات جديدة لتعزيز مشروعية الدولة.
ليأريك زمور أضاف تصريحًا أكثر حدة: "الجزائر ليست أمة ولم تكن أبدًا كذلك."
يتبع