
الرباط – م-النوري.
في مشهد قلّ نظيره، اجتمع أكثر من 300 ألف شخص تحت لهيب شمس حارقة، وسط شوارع مغلقة ومدينة شبه مشلولة، لأجل حفل فني لمغني الراب المغربي المثير للجدل “طوطو”، الذي ظهر أمام جمهوره بأسنان معدنية لامعة وقميص يحمل بكل فخر عبارة “سلݣوط”، في استعراض يستحق وقفة وتأملًا في دلالاته النفسية والاجتماعية والثقافية.
الحدث لم يكن عادياً، لا من حيث الأرقام ولا من حيث ظروفه: آلاف المعجبين، معظمهم من فئة الشباب، احتشدوا منذ ساعات طويلة تحت حرارة تجاوزت 40 درجة مئوية، في انتظار فنانهم الذي لا يُعرف عنه سوى لغة السجائر والكحول والتصريحات الصادمة. الشرطة والدرك والقوات المساعدة تدخلت لتأمين المحيط، فيما تحولت حركة المرور إلى كابوس في شوارع الرباط.
الكلمة التي أثارت موجة من السخرية والتساؤلات على مواقع التواصل الاجتماعي هي عبارة “سلݣوط”، التي ظهرت على صدر طوطو خلال الحفل، وهي نحت دارج من الفرنسية “Sale Gosse” بمعنى “الطفل الساقط” أو “الولد المنحرف”. اختيار هذه الكلمة لم يكن اعتباطياً، بل يبدو وكأنه إعلان صريح عن تمرد الذات وتبني هوية استفزازية تعكس محتوى أغانيه وسلوكه العام.
الجدل لا يكمن في شخصية طوطو فقط، بل في حجم الإقبال الجماهيري عليه، رغم قضاياه المتعددة، وتصريحاته المثيرة، وإثارته المستمرة للجدل. هذا يدفع للتساؤل: ما الذي يدفع فئات واسعة من الشباب المغربي لتبجيل شخصية تصف نفسها بـ”الساقطة”؟ هل هو تعبير عن يأس اجتماعي؟ أم انسلاخ من قيم ثقافية؟ أم مجرد انبهار بلغة التمرد التي تتقنها منصات الراب المعاصر؟
في بلدٍ يُفتَرض أن يحمل فنه رسالة ويعكس تاريخه وهويته، تثير حفلات مثل هذه أسئلة محرجة للمسؤولين عن السياسات الثقافية، ولمؤسسات التربية، بل وحتى للأسرة. فحين يتحول المغني إلى قدوة، رغم ما يحمله من رموز الانحراف، فإننا أمام معضلة تربوية عميقة تستدعي التفكير لا في “طوطو” فحسب، بل فيمن يصنعونه ويتبعونه.
بعيدًا عن الشخصنة، فإن ظاهرة طوطو ليست مجرد حدث فني، بل مرآة لواقع اجتماعي ونفسي يعاني من خلل في التوجيه، وارتباك في الهوية، وانبهار مَرَضي برموز السقوط. والواقع أن مواجهة هذا الانحدار لا تتأتى بالمنع أو القمع، بل بإعادة الاعتبار لقيم الفن الهادف، وبناء نماذج ملهمة تُغني الذوق وتُهذب الوعي.