يرتبط شهر مارس من يوم 8 منه إلى آخر يوم فيه بالاحتفالات واللقاء والندوات... إحياء لليوم العالمي للمرأة. وبهذه المناسبة أشكر مجلة ماكلور الدولية على منحي فسحة خلال هذا الشهر لنشر موضوع بالمناسبة في شكل مقالات متسلسلة، أبدأها بأول مقال عن رمزية / اليـــوم العالمي للمرأة
دأبت معظم القطاعات الحكومية وغير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني بجميع ألوانها وأطيافها ومجالات اشتغالها، على إحياء ذكرى اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف من كل سنة 8 مارس، وتختلف طرق الإحياء بين إقامة احتفالات غنائية وموائد شعرية وتكريم لفعاليات نسائية وتبادل التهاني والتبريكات مع توزيع الورود والدروع والشواهد التقديرية ....
وباعتباري أنتمي لمجتمع عربي مسلم، وكوني تتلمذت على هذه الأرض الطيبة-(المغرب)- التي تشبعت بقيمها وتراثها وأصالتها والإحساس بالافتخار والاعتزاز بثوابتها، تجدني لا أتبنى أي رأي أو ذكرى إلا بعد تمحيص وتريث وقناعة بالفكرة، لذلك بعد سنوات من التساؤل كل ماحل يوم 8 مارس :
هل هو يوم للاحتفال أم يوم لمواصلة النضال ؟!
عدت للثابت الأول في دستور بلادي الذي هو " الله "، لأبحث في ديننا عن مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، هل دستور الإسلام الذي يمثله القرآن الكريم الذي هو وحي من الله كان صريحا في تقرير مبدأ المساواة، أم هذا المبدأ لم يظهر إلا مع النضالات والاحتجاجات والقوانين الوضعية؟
استعانة بمصادر البحث في القرآن الكريم وقفت على عدة آيات قرآنية خاطبت الرجل والمرأة على قدم السواء لا تفاضل بينهما على سبيل المثال لا الحصر نجد:
*الآية 35 من سورة الأحزاب، يقول الله تعالى ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات و القانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات فروجهن والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) صدق الله العظيم.
فالخطاب موجه هنا للجمع بنوعيه المذكر والمؤنث مع الفصل بينهما " المسلمين والمسلمات...."مع أن القاعدة اللغوية العربية تخاطب جمع المؤنث بأنتن، وإذا دخل هذا الجمع مذكر واحد يصبح الخطاب أنتم وتلغى أنتن، والله بسابق علمه يعلم أنه سيتم تقعيد اللغة العربية وأن أنتن ستلغى بحضور مذكر واحد، لكن هذه الآية تجاوزت حدود قواعد اللغة للتأكيد على مبدإ المساوات، فالله خص الخطاب لهم معا كل واحد منهم على حدة في الحصول على نفس الامتيازات (المغفرة والأجر العظيم).
*الآية 7 من سورة النساء: (للرجال نصيب مما ترك والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا)
فرض أحقية المرأة في أخذ نصيبها من الإرث مثلها مثل الرجل سواء كان قليلا أو كثيرا.
ما يهمنا في هذه الآيات أن المواجهة هنا بين المرأة والرجل في تبادل الشهادة التي تتم بصفة متساوية، وأن بنفس عدد شهادة الرجل تشهد المرأة لتدرأ ما يقع عليها من عقوبة نتيجة مارمى بها الرجل سواء كان محقا أو غير محق ما لم يثبت ذلك بالدليل الملموس. بمعنى أدق المرأة تتساوى في حق الدفاع عن نفسها وأن شهادتها تساوي شهادة الرجل.
فمبدأ المساواة أقره ديننا الحنيف دون أن تنظم النساء الاحتجاجات، أو نضالات وإنما جاء مكسبا للمرأة بعطف وهبة ورحمة من الله وإقرار لمكانتها العظيمة في القرآن الكريم، الذي هو دستور كل رجل وامرأة آمنا به حق الإيمان وعملا به حق العمل دون تلاعب وافتراء. و ما أصاب المرأة المسلمة
من إقصاء وتهميش وخرق لحقوقها هو نتيجة عادات وأعراف واجتهادات خاطئة، واستغلال لنصوص دينية وتحريف معانيها، لنفس في أمر يعقوب.
وإذا تناولنا اليوم العالمي للمرأة 8مارس في سياقه الموضوعي هو يوم تم إقراره بعد مسيرات من النضال والاحتجاج نتيجة قوانين وضعية جاحفة في حق المرأة كانت سائدة بالولايات المتحدة الأمريكية و أروبا.... عبر تسلسل تاريخي :
1* 1908 : انطلقت أول شرارة الاحتجاج من نيويورك لعاملات الملابس تطالبن بتقليل ساعات العمل وتحسين الأجور والحصول على حق التصويت
في الانتخابات.
2* 19 مارس 1911 : الشرارة الأولى تم إحيائها بخروج مسيرات نضالية تطالب بحق المرأة في العمل والتدريب المهني ووضع حد للتمييز ضدها.
3* 8 مارس 1914 : تنظيم النساء لمسيرات عديدة في عدة بلدان أوروبية للمطالبة بحق الاقتراع للنساء والاحتجاج على الحرب العالمية الأولى.
4* أواخر شهر فبراير 1917 : إضراب واحتجاج النساء بروسيا تحت شعار "الخبز والسلام" انتهى بسن قانون حق المرأة في التصويت.
5* بعد 1945 : بعد الحرب العالمية الثانية تم إحياء ذكرى نضالات المرأة باحتفالات في عدد من البلدان وخصصوا له يوم 8 مارس.
6* 8 مارس 1975 : اعتبرت الأمم المتحدة هذا اليوم : اليوم العالمي للمرأة .
7* ديسمبر 1977 : إقرار الجمعية العامة يوم 8 مارس اليوم العالمي للمرأة دفاعا عن حقوقها وتعزيزا لمكتسباتها.
فبين الحق الموهوب من الله ، وبين الحق المكتسب نتيجة نضالات تضل المرأة العربية المسلمة في حاجة ماسة إلى الاثنين، في حاجة إلى الحق الموهوب والذي تعتبره مفخرة وعزة لها يستحق الاحتفاء بما حباها به الله . و بحاجة للقوانين الوضعية التي هي نتاج لنضالات تفرضها التغيرات التي يعرفها المجتمع، فالحقوق الإلاهية هي حقوق غير قابلة للتعديل ولكن تحتاج لمزيد من الفهم والاجتهاد في دلالتها وتفسيرها وكذا تكييفها مع القوانين الوضعية والمتغيرات الاجتماعية مالم يمس بجوهر النص القرآني .
وخلاصة القول إن الاحتفاء بمكانة المرأة العربية المسلمة يرتبط بالدستور الإلاهي "القرآن الكريم" الذي هو وحي الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام، جاء لينظم حياة الأفراد والجماعات وحياة الأمم.
ولا يسوء في الأمر شيئا أن يرتبط أيضا باليوم العالمي للمرأة 8 مارس كيوم يرمز للنضال وإثارة إشكاليات مستجدة تعوق المرأة للوصول إلى حقوقها بفعل فاعل بشري.