
قلعة مكونة.
في وقتٍ ينتظر فيه الفلاح من مؤسسته التمثيلية الأولى بواحة دادس-أمكون أن تكون درعه الواقي وصوته المدافع عن مصالحه، يتكشف على الأرض واقعٌ مغايرٌ تماماً، حيث لا تزال سلاسل الورد العطري تعاني من احتكار صارخ وهيمنة غير معلنة من قِبَل جهات تعمل في الظل، وتتحكم في السوق عبر شبكات عنكبوتية، تصفها مصادر مهنية بـ”الأخطبوط غير المرئي” الذي يُمسك بخيوط الإنتاج والتسويق وحتى صورة القطاع في المعرض الدولي للورد.
رغم حساسية الظرف وضرورة الوقوف إلى جانب الفلاح الذي يحتفل بموسم تحصيل محصوله، يغيب عن المؤسسة المعنية تمثيل فعلي للفلاحين في جوهر قضاياهم، إذ لم تفتح نقاشاً حول الثمن الافتتاحي لمحصول الورد العطري، رغم أنه يشكل العمود الفقري لمستقبل الواحة وسكانها.
وفي الوقت الذي كان يُفترض فيه أن تُخصص المؤسسة اجتماعات حقيقية تشاركية تناقش فيها آليات ضبط السوق وتأطير الفلاح، اكتفت بعدد من اللقاءات الشكلية، مثل الاجتماع المنعقد يوم السبت الماضي، والذي اقتصر على عرض “تصورات عامة” دون تقديم حلول عملية، حسب ما أفادت به مصادر حضرت الاجتماع.
بموازاة هذا الاجتماع الذي ضم بعض فاعلي المجتمع المدني والمنظمات الرسمية القائمة على القطاع من منتجين ومصانع التقطير، كان الواقع على الأرض يعكس صورة أكثر قتامة؛ إذ شهد السوق المحلي للورد العطري تذبذباً كبيراً في الأسعار، وسط غياب أي إطار تنظيمي يضبط العلاقات التجارية ويحدد سقفاً أدنى يحمي الفلاح من جشع الوسطاء.
حيث تراوحت أسعار البيع بين 17 و22 درهماً للكيلوغرام، في حين كان عدد من الفلاحين ينتظرون إعلان ثمن افتتاحي لا يقل عن 30 درهماً، يُراعي القيمة الحقيقية في الإنتاج لهذه المادة الحيوية والتي تعد من اهم المشاريع الواعدة والمستقبلية لمدينة الورود.
وما يزيد الطين بلة هو أن المعرض الدولي للورد العطري، الذي يُفترض أن يكون منصة لعرض إنجازات الفلاح وتعزيز موقعه في السوق، تحوّل هو الآخر إلى واجهة دعائية يتحكم فيها نفس الفاعل المألوف الوجه والصورة والذي يسيطر على القطاع، مما يُفرغ المناسبة من مضمونها الإنتاجي ويجعلها مجرد مهرجان احتفالي بعيد عن هموم الفلاحين الحقيقيين.
يتزايد الغضب في أوساط الفلاحين والتعاونيات، حيث طالب عدد منهم في تصريحات لـ”أولاً نيوز” بـ:
• إجراء افتحاص شفاف لطريقة تدبير القطاع والمؤسسة الممثلة، خاصة ما يتعلق بموسم الورد ومعرضه.
• فتح قنوات حوار حقيقية مع الفلاحين والتعاونيات قبل وأثناء كل موسم.
• وضع ميثاق شرف يحدد مسؤوليات كل طرف، ويمنع الاحتكار الخفي والهيمنة المؤسساتية.
• إشراك التعاونيات الشفافة والمهنية في لجان تسعير وتوزيع الدعم، لضمان عدالة التوزيع والاستفادة.
في وقت يعيش فيه الفلاح تحت وطأة الكلفة والديون وانتظار موسم يشكل له فرصة اقتصادية سنوية نادرة، لا يعقل أن يُترك وحده في مواجهة احتكارات غير معلنة، بينما المؤسسة الممثلة غائبة أو متواطئة بصمتٍ ظاهر . فمستقبل الورد العطري بواحة دادس-أمكون، الذي يُعد ثروة تراثية واقتصادية، بات مهدداً ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة لإعادة الاعتبار للفلاح كمحور رئيسي في معادلة التنمية.