حقآ ، لكل معركة رجالها ونساؤها وأبطالها الشرفاء. وفي زمن المعارك والكوارث تظهر الشجاعة والتضامن والإنسانية بما للكلمات من قوة ومعنى . وخلال نفس المعارك ، تنتشرفي الأرض أنواع من البشر كالذئاب المفترسة تبتلع ما استطاعت الوصول إليه من ربح سريع على حساب المنكوبين والمرضى والمحرومين .
وكم من خائن وعميل سمنت بطانته وخزينة ماله وكثرت ثروته في زمن الحرب والثورة على الظلم والإستبداد على حساب المهزومين والتعساء، وكم من محارب ً الساعة الأخيرة ً رفع الراية في الشوارع بساعة قبل نهاية الحرب ومضى يهلل بالنصر المبين وليس له ناقة ولا جمل في تحقيقه . فمنهم من نال ، فقط بخداعه وتملقه ، منصبا ومدالية وبقي الشرفاء الأكفاء منسيين مهمشين . فكيف ياعباد الرحمان يستوي المؤمن والمنافق والشجاع والجبان و الصالح والطالح ؟
وفي زمن كثرت فيه الصراعات بين الدول وتفاقمت فيه الهوة بين الشعوب وداخل المجتمع الواحد، جاء فيروس كورونا المستجد فأعلن العالم بأجمله الحرب عليه لكنه لا زال منتشرا غاشما يحصد الأرواح بالآلاف فتغيرت المفاهيم العلمية التي أصابها العجز وخيم على أصحابها الشك حين غاب من مختبراتهم اليقين وتبينت الهفوات و نقط الضعف في أكثر الإستراتيجيات وأصبحت أقوى الدول نفودا و أعظمها إقتصادا وعتادا حربيا وقدرة مالية ونفطية هزيلة ضعيفة أمام فيروس واحد لا حزب له ولا بلد وليس له عقيدة دينية أو سياسية لا يفرق بين شعب قوي ومجتمع فقير.
وكالعادة أضحت الدول الغنية تتناحر و تتهافت وتتسابق مختبراتها لإكتشاف تلقيح أو دواء من ورائه ربح عظيم . وكالعادة سينتقل الصراع بلا هوادة من معركة الوباء إلى ميادن الإقتصاد والسياسة .
وكالعادة أبانت المجتمعات المدنية على وعيها وقدرتها على تجاوز الخلافات المصطنعة فخرجت من صلبها ومن أحضانها جمعيات وأناس شرفاء متطوعون هدفهم تخفيف الضرر عن من ليس لهم قوة ولا جاه للخروج سالمين من مرض قاتل وغاشم وأزمة إقتصادية خانقة .
فصفق الملأ كل مساء للأطباء والممرضات وكذا العامل البسيط ، وأكثرهم من أصل أجنبي عربي وإفريقي ، وعلى كل من بقي صامدا في ميدان المعركة .
ولم تبقى جمعيات مغاربة المهجر خارج ميادين معركة محاربة الوباء أوغافلة على ما أصاب الكثير من أبناء الجالية من تقهقر في الأوضاع المعيشية وحزن على فقدان العديد منهم وإهانة أصابت المعلقين منهم في مطارات المغرب وخارجه .
وما أكثر جمعيات مغاربة المهجر، من باريس وكولومب ومن جهات فرنسية أخرى وكذا الشأن في بلجيكا و إيطاليا وهولندا ، التي تجندت و وقفت وقفة شجاعة وأخوية بجانب المئات من المغاربة العالقين و قدمت يد العون والمساعدة للعائلات الضعيفة والطلبة والشيوخ المحتاجين حتى يخرجوا جميعا سالمين من أزمة صحية ونفسية وإقتصاية شاملة .
وكالعادة غاب عن الذكر وعن الوقوف ماديا ومعنويا بجانب أبناء الجالية جل الفقهاء ومنظماتهم الرسمية وصمت صمتا كاملا كتاب يملؤون في وقت الرخاء المشهد الإعلامي الإذاعي والتلفزي ثرثرة. وتبقى الجالية لحالها تنتظر الفرج .
و خرج من جديد محارب ً الساعة الأخيرة ً، ناكروا جميل الجالية وفضلها على إقتصاد بلدها الأم، للتقليل من قيمة وفعالية هذا العمل الجمعوي التطوعي الشريف بل أكثر من ذلك، أدلى بعضهم بكلام السخرية والعبث في حق من أشار، وهو في حالة هم وغم من طول الإنتظار معلقاً مع ربة بيته وأطفاله الصغار ، بجواز سفر دولة إقامته وجنسيته الثانية وكأنه أرتكب جرما وذنبا لا يغتفر.
فهذه الحقيقة المرة وهذه الإهانات واللامبالات في حق الجالية في وقت الشدة والأزمة سيسجلها التاريخ وسيبقى أثرها راسخا في ذاكرة الأجيال من أبناء مغاربة المهجر الشرفاء الأكفاء .
المهم ، و للمرة الألف وأكثر، أبانت جمعيات مغاربة المهجر من جديد كمجتمع مدني حر وفي وقت عسيرعلى وطنيتها وعزيمتها وقدرتها على مواجهة التحديات كبيرها وصغيرها و الدفاع عن مصالح أفرادها في كل زمان ومكان في السراء والضراء ولا تنتظرعلى ذلك من أحد جزاءً ولا شكورا سوى إحترامها ومنحها حقوقها الدستورية والسياسية المشروعة والمعلن عنها رسميا منذ سنين عديدة خلت.
أما دور وموقف البعض من محنة ابناء الجالية في وقت عسير، بالخصوص من لهم مهمة رعاية مصالحها والدفاع عنها ، فله حديث آخر لايكفي تلخيصه في صفحة واحدة فهو يحتاج لأكثر من مقال .
باريس 21 ماي 2020
محمد مريزقى باحث، كاتب و صحفي