بقلم البكراوي المصطفى البزيوي
منذ إعلانه يوما وطنيا للمهاجر من طرف عاهل البلاد سنة 2003 و العاشر من غشت من كل سنة يحتفي بمغاربة العالم و يدرج ضمن اجندات الولايات و العمالات عبر ربوع المملكة للالتفاتة لهذه الشريحة المجتمعية و الانصات لآلامها و آمالها و مناقشة المشاكل و طرح الحلول و البدائل في إطار تشاركي بين المهاجر و الادارة .هذا هو الإطار العام الذي يندرج فيه سياق هذا اليوم الوطني لكن المتتبع لهذه الاحتفالات عن قرب يجدها مجرد ساعة او سويعات معدودات على ابعد تقدير لالتقاط الصور و شرب الشاي و عرض بعض التقارير بارقام و نسب احادية الجانب درا للرماد في الأعين و قد تكون مناسبة لمجموعة من المؤسسات المالية و العقارية لبسط عروضها و نصب كمينها لاسطياد و تحين الفرص خصوصا مع الغياب الشبه تام للمؤسسات الوصية على مغاربة العالم و التي يجب عليها ان تكون شريكا أساس في مثل هذه المناسبات حتى تكون الظهر و السند لمغاربة العالم و نحن في دولة المؤسسات و يجب العمل من داخلها لا مجرد استدعاءات فردية لوجوه مألوفة لدى الادارة لكونها مستثمرة أو أكاديمية في المجال او تدعي الجمعوية ...فأين هي أصوات الستة ملايين مهاجر عبر العالم ؟ من يدلي بصوتها و رأيها؟
إن نسخ المناسبات و تنميطها و اجترار نفس الكلام المستهلك سنة تلوى الأخرى لن يجدي نفعا بل هو هدر للزمن و هدر للمال العام . إذ الجالية المغربية في حاجة لمن ينصت إليها لا لمن يتعلم فن الخطابة في حضرتها و رفع الكلام فغالبيتهم لا تمنحه الفرصة للتعبير عن اراءه .
يجب تفعيل المؤسسات الرسمية و شبه الرسمية في إطار الديموقراطية التشاركية و خلق لجان لتتبع البرامج المشتركة المسطرة على مدار كل سنة و تقديم تقارير جادة و مسؤولة عن السنة الفارطة و المصادقة عليها ثم نستشرف المستقبل ببرنامج يتجاوز عثرات الأول ونقائصه و يتدارك المتروك بحثا عن بدائل معقولة و هكذا ذواليك ... فالاحتفال يأثي بعد حصد النتائج لا لتحصيل الحاصل .
كما أن الاهتمام الموجه لدفع مغاربة العالم للاستثمار ببلدهم الأم و التركيز على الجانب الاقتصادي للجالية و مايمكن جلبه منها لخزينة الدولة فهو خيار معيب .فالجالية ليست مجرد بقرة حلوب او دجاجة تبيض دهبا بل هي هوية و حضارة و رأسمال لا مادي غني بالكفاءات في شتى المجالات فلما لا نشتغل على جلبها هي كذلك و تثمين قدراتها؟
وكان صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله قد أكد في أول خطاب للعرش سنة 1999 على أن “من الأمور التي سنوجه لها اهتمامنا الخاص قضايا جاليتنا القاطنة بالخارج والتفكير الجدي في تذليل الصعاب التي تعترض طريقها والعمل على حل مشاكلها وتمتين عرى انتمائها للوطن الأم”. فكان اول ما حث عليه جلالته في إطار اهتمامه المولوي برعاياه بالخارج و ضرورة غرس قيم الانتماء للوطن . و الحمد لله ذاك ما كان فمغاربة العالم لطالما عبروا عن وطنيتهم و تعلقهم بالعرش العلوي المجيد في مناسبات كثيرة و في ساعات العسرة و زلزال الحوز ليس منا ببعيد .و على مدار العام بفضل التحويلات المالية التي تعدت 115 مليار درهم في السنة الماضية متحدية كل التوقعات هذه التحويلات التي انعشت الاقتصاد الوطني خصوصا مع تنامي ظاهرة الجفاف و ارتفاع الأسعار. فنسبة كبيرة من الأسر تعيش على وقع هذه التحويلات و بذلك تكون الجالية قد ساهمت في ارساء مفهوم الدولة الاجتماعية المبنية على التكافل و التضامن في خط متواز مع الرؤية النيرة لصاحب الجلالة في هذا الإطار. صاحب الجلالة الذي يعرف حق المعرفة مدى وفاء و إخلاص رعاياه من مغاربة العالم و بذلك الوفاء و الإخلاص يبادلهم جلالته فلطالما دعى إلى الإهتمام بالجالية و انزالها المنزلة اللائقة بها شأنها شأن باقي مكون المجتمع و كان خطاب الذكرى 69 لثورة الملك و الشعب غني عن البيان خصوصا فيما يتعلق بآلية تجمع كلمة و شمل الجالية إذ يقول جلالته : "كما ندعو لإحداث آلية خاصة، مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها." هذه الالية التي نرى من المفروض ان ترى النور لتكون حاضرة في مثل هذه المناسبات للخروج بصيغ و مخرجات رسمية قابلة للتنزيل و الا فنحن نصب الماء على الرمل .
إن هذا الاحتفال باليوم الوطني للمهاجر يجب أن يكون محطة فعلية على مدار يوم بكامله لتدارس جميع ما يهم الجالية و تكون فيه النوايا قبل الأقلام جاهزة صادقة لعقد البرامج و الشراكات و تنزيلها على أرض الواقع و الا كان مجرد سحابة صيف عابرة لا تغني و لا تسمن من جوع .