Partager sur :

بعثات مغربية إلى الغرب في رمضان.. أمن روحي ودبلوماسية دينية

يسعى القائمون على إيفاد بعثات الأئمة والوعاظ والقراء في رمضان إلى بلدان أوروبا وأمريكا إلى الترويج للتجربة المغربية في تدبير الشأن الديني
منذ سنوات خلت دأبت السلطات الدينية في المغرب على إرسال العديد من الأئمة والمرشدين الدينيين والوعاظ وقراء القرآن الكريم إلى دول أوروبية وأمريكية خلال شهر رمضان المبارك، غير أن هذه البعثات الدينية توقفت مدة سنتَين بسبب تداعيات الجائحة وما تبعها من قرارات الإغلاق الجوي وغيرها، ليعود المغرب في شهر رمضان الجاري ليبعث من جديد عشرات الأئمة والوعاظ إلى أوروبا.

وبعثت مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج وفوداً دينية إلى الخارج بمناسبة الشهر الفضيل، تتكون من أزيد من 144 خطيباً وواعظاً وقارئاً وإماماً وأستاذاً جامعياً، إلى عدد من الدول الأوروبية؛

أهداف دينية وثمار دنيوية

وتحدد السلطات الدينية في المغرب المهام الرئيسة لهذه البعثات المكونة من قراء القرآن والوعاظ والمرشدين؛ وهي بالأساس: القيام بإمامة المصلين من الجاليات المغربية والإسلامية في الديار الأوروبية والأمريكية، سواء في المساجد أو المراكز الإسلامية المتفرقة، وإلقاء المحاضرات الدينية في احترام كامل للقوانين الداخلية لبلدان الاستقبال، مع التركيز على ترويج خطاب ديني سمح ووسطي بعيد عن الغلو والتطرف.

ويسعى القائمون على إيفاد بعثات الأئمة والوعاظ والقراء في رمضان إلى بلدان أوروبا وأمريكا إلى تحقيق هدفَين رئيسيَّين؛ الأول: الترويج للتجربة المغربية في تدبير الشأن الديني، وقوامها الاعتدال والنأي عن التطرف والتسامح الديني، من خلال إلقاء دروس وعظية وفتاوى لفائدة الجاليات المغربية بالمهجر، بالاستناد إلى المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، والتصوف السُّني.

المغرب يروج للدبلوماسية الدينية بالخارج

والهدف الثاني من وراء إرسال هذه البعثات الدينية في رمضان من كل عام إلى العديد من بلدان العالم، يتجسد في إرساء المغرب لدعائم الدبلوماسية الدينية، التي من خلالها يحاول المغرب توطيد علاقاته مع تلك الدول، والتحول إلى بلد مؤثر في جاليته من الناحية الدينية؛ بهدف إبعادها عن منابع الغلو والتشدد الديني، ومن ثم الوقوع أو الانجرار إلى فخ الجماعات والحركات الإرهابية.

وفي الوقت الذي تلاقي فيه هذه التجربة المغربية الإشادة والتثمين، فإن هناك سلبيات اخترقت هذه المبادرة، وتتمثل في كون عدد من المنتسبين إلى هذه الوفود باتوا يستفيدون من إكراميات وعطايا الجالية في رمضان، فلم يعد همهم الأول هو تأطير وإرشاد الناس هناك؛ بل جلب منافع مالية وعينية أكثر، كما أن تحديد المبعوثين بات يخضع أحياناً إلى معايير الواسطة وغيرها، عوضاً عن الكفاءة والتجربة والمصداقية.

 

وتحول مجال إرسال بعثات القراء والواعظين إلى أوروبا وأمريكا إلى محل “تنافس غير شريف” بين هؤلاء المنتسبين إلى المجال الديني، فكثرت التدخلات والوساطات؛ من أجل ضمان الوجود كل عام في هذه البعثات، بالنظر إلى ما يجلبونه من مبالغ مالية من لدن الجاليات المغربية والمسلمة في الخارج.

المغرب يحارب التطرف بالتسامح

تعزيز الأمن الروحي للمغرب

ويقول الدكتور خالد السموني الشرقاوي، محلل وأستاذ جامعي، إن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية اعتادت طيلة سنوات على إرسال مجموعات من أئمة المساجد والقراء والوعاظ والواعظات الدينيين المغاربة إلى عدد من دول الخارج؛ لإحياء ليالي رمضان في المساجد والمراكز الإسلامية هناك، وذلك لفائدة المهاجرين المغاربة، من خلال أداء صلوات التراويح وإلقاء المحاضرات والدروس الدينية في المساجد، والإجابة عن مختلف الأسئلة المتعلقة بالحياة الدينية المتعلقة بهم.

خالد السموني الشرقاوي

ويرى الشرقاوي، أن تكرار إرسال هذه الوفود الدينية سنوياً في رمضان إلى دول العالم يدخل في إطار السياسة المغربية في مجال التأطير الديني التي تُعنى بحماية المساجد من الغلو أو الفكر المتطرف الذي تدعو إليه بعض الجماعات المتشددة، ودعماً للجالية المغربية بالخارج، والحفاظ على المبادئ والقيم الإسلامية السمحاء، وتعزيز الأمن الروحي للمغاربة المقيمين بالخارج، وربطهم ببلدانهم الأصلية، وأيضاً مواجهة التيار السلفي أو المذهب الشيعي، الذي اعتنقه آلاف المهاجرين المغاربة في بعض دول أوروبا.

وبخصوص السبب في اختيار شهر رمضان الفضيل لإرسال المغرب وفودَ الأئمة والوعاظ إلى هذه البلدان الأوروبية، يقول السموني إن أفراد الجالية المغربية بالخارج يعيشون في الغالب أجواء روحية وفكرية ودينية خلال شهر رمضان، مما قد يسهل عملية تواصل هؤلاء الوعاظ والمرشدين معهم في المساجد.

 

ورغم أهمية المبادرة ووقعها الإيجابي على أفراد الجالية، يسجل الشرقاوي أن عدداً كبيراً من الأئمة والوعاظ لا يتحدثون أية لغة أجنبية، وبالتالي قد تنقصهم الدراية بالواقع الثقافي والديني والسياسي للبلد الذي يتوجهون إليه؛ لأن الجالية المغربية بالخارج ليست على مستوى واحد من الوعي والثقافة والتكوين، وبالتالي فإن إرسال أئمة مكونين تكويناً تقليدياً ولا يتقنون أية لغة أجنبية ثانية وغير مؤهلين لمسايرة الواقع الأوروبي، قد يجعلهم أمام واقع صعب.

ودعا المتحدث نفسه السلطات الدينية المعنية إلى انتقاء أجود العناصر المكونة تكويناً دينياً عصرياً بشكل يراعي المناهج العلمية الحديثة من بين الكفاءات الجامعية المتخصصة في العلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، أو تخصصات أخرى؛ شريطة توفر شرط الكفاية العلمية في المجال الدعوي والديني، على حد تعبيره.

محمد بن طلحة الدكالي

الدبلوماسية الدينية

من جانبه، يؤكد الدكتور محمد بن طلحة الدكالي، الأستاذ في جامعة مراكش، أن التجربة المغربية في تدبير الشأن الديني تبقى تجربة رائدة في المجال العربي والإسلامي، الشيء الذي خول لها لعب دور رئيسي في الدبلوماسية الدينية للمملكة بالخارج، وأيضاً منح انبعاث قوي للبعد الديني والروحي في حسابات السياسة الخارجية للمملكة المعروفة بإرثها التقليدي وثقل الرمزية الدينية في الشرعية التاريخية.

ويستطرد الدكالي في حديثه بالقول  بأن الدولة المغربية حافظت على حيوية العمق الروحي في توجيه علاقاتها الخارجية، واستثمار ذلك في بناء تحالفات سياسية واستراتيجية ومواجهة الأخطار الأمنية وظهور الخلايا الإرهابية.

ويستحضر المحلل عينه البعثات الدينية المغربية التي تعمل على نشر قيم الإسلام السُّني المالكي وتجفيف منابع ظاهرة الإرهاب والتطرف الديني، مورداً أن هذه الرؤية تجسدت في إنشاء معهد لتكوين الأئمة والمرشدين الدينيين؛ يرمي إلى تخريج نخب دعوية وفقهية إرشادية مغربية متشبعة بالفكر الوسطي المنافي للتطرف العقائدي.

وخلص الدكالي إلى أن “نجاح المغرب في تدبير الحقل الديني على أعلى مستوى جعله مؤهلاً تاريخياً وحضارياً للمساهمة في تشكيل الخريطة الدينية على الصعيد الدولي، وفي مكافحة التطرف والحركات الإرهابية، فضلاً عن التعريف بالنموذج المغربي في ممارسة الدبلوماسية الدينية والتعايش بين الديانات وإشاعة قيم التسامح والسلام”.

Arabe
Partager sur :