
عن هيئة التحرير – جريدة ماكلور
تعرف الجاليات المغربية بالخارج تنوعًا غنيًا في الانتماءات والتجارب، لكن ما يجمعها أكثر من أي شيء هو الحاجة إلى التأطير، إلى التواصل المؤسساتي، وإلى من يصغي لهم ويفتح أمامهم آفاق المشاركة الفعالة في مسار الوطن.
لطالما شكّل القنصل العام في عدد من المدن الأوروبية، وخصوصًا تلك التي تحتضن جالية كبيرة، أكثر من مجرد موظف دبلوماسي. فقد تحوّل بعضهم إلى قادة عمل جمعوي، مشجعين على التنظيم والمبادرة، مساندين للمشاريع، حريصين على إشراك الجالية في قضايا الوطن.
وهنا، لا يمكن إلا أن نُثمن مجهودات العديد من القناصل الذين جعلوا من المصلحة العامة أولوية، وكانوا قريبين من الناس، يُصغون إليهم، يواكبونهم، ويحرصون على أن يشعروا بأن الوطن حاضر بينهم. من بين هؤلاء، نذكر كمثال لا الحصر، السيد إدريس القيسي، الذي كان يشغل منصب القنصل العام بستراسبورغ، والذي عاش معه مغاربة الجهة الشرقية لفرنسا فترة من النشاط والدينامية، اتحدت فيها الجهود، وتوحد فيها الصوت حول الوطن.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بإلحاح: ماذا بعد؟
كيف نضمن استمرارية هذه الروح؟ كيف نضمن أن لا ترتبط المبادرات بالأشخاص فقط، بل تصبح ثقافة مؤسساتية حاضرة في كل قنصلية، وكل تمثيلية دبلوماسية للمغرب بالخارج؟
لقد كانت القضية الوطنية الأولى، قضية الصحراء المغربية، بمثابة رابط موحّد لجميع مغاربة العالم، يجتمعون حولها، يدافعون عنها، ويجددون بها ولاءهم لوطنهم. لكن اليوم، ومع الانتصارات التي تحققت على هذا المستوى، تظهر الحاجة إلى بوصلة جديدة، إلى مشروع جامع يلتف حوله المغاربة بالخارج، ويجعلهم فاعلين حقيقيين في التنمية، في الدبلوماسية الثقافية، وفي تمثيل وطنهم بأفضل صورة.
لكن الواقع، بكل صراحة، يُظهر فراغًا في التأطير، وتراجعًا في الدينامية. يُظهر تشتتًا في الصفوف، وضياعًا في المرجعيات. وما يزيد الطين بلة، هو أن الكثير من أفراد الجالية لا يجدون اليوم من يُوجههم، من يُرشدهم، من يُعبر عنهم داخل المؤسسات.
في المقابل، تغمرهم فيديوهات مشتتة، محتويات صادمة، وخطابات سوداوية، لا تبني وعيًا ولا تُؤسس لوحدة، بل تُعمّق الشعور بالغربة والخذلان.
فهل يُعقل أن يُترك ملايين المغاربة بالخارج دون استراتيجية واضحة لمواكبتهم؟
أليس من حقهم أن يُسألوا عن أفكارهم، أن يُستثمر في كفاءاتهم، أن يُوفَّر لهم من يُجيد الإصغاء والتوجيه؟
هل ننتظر دائمًا أن يظهر مسؤول استثنائي ليُعيد الروح في الجالية، أم نبني نظامًا مؤسساتيًا يضمن ذلك بشكل دائم ومنهجي؟
إن مغاربة العالم اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى من يُوَحّدهم، إلى من يُؤمن بقيمتهم، إلى من يزرع فيهم الأمل لا عبر الشعارات، بل من خلال العمل الميداني والتواصل الحقيقي.
نرجو من كل مسؤول معني بهذا الورش الوطني أن يُعيد النظر في طريقة تعاطينا مع جاليتنا بالخارج، وأن نُحصّن مكتسباتنا بما هو مؤسسي، لا ظرفي، وبما هو وطني، لا شخصي.