Partager sur :

النموذج التنموي الجديد:رؤية استراتيجية من اجل مغرب افضل

 

         

د. إبراهيم أونبارك

باحث في القضايا الترابية والتنمية

 

توالت الإصلاحات القطاعية تبعا، ورصد المغرب تعديلات وباشر تغييرات مسَّت كل الهياكل والمؤسسات، وباتت الإرادة السياسية الداعية إلى ضرورة بناء مغرب يليق بمستوى الإكراهات والتحديات التي باتت فجائية أكثر من أي وقت مضى هي الهم الأول والأساس لمختلف المدبرين مركزيا، جهويا ومحليا، وتبنى الخطاب السياسي والتدبيري قاموسا مفاهيميا جديدا قوامه: الحكامة ، الجودة، العدالة المجالية، الجهوية المتقدة، الموسعة، ...وغيرها من المفاهيم التي تنم عن إقبال المملكة المغربية على نفس جديد من التنمية التي لن تكون البتة إعادة إنتاج لمعضلات تدبيرية ومجالية أخذت منا الوقت والطاقة ولعقود خلت.

وأمام هذه النظرة الجديدة للشأن التنموي، الذي حرص المختصون على أن يكون تصورا نظريا ينهل أبعاده من التطورات الكبرى التي عرفها العالم المعاصر، وفي الوقت ذاته السعي إلى توطين الخطابات الجديدة للتنمية وفق الشروط والوضعيات الترابية المغربية. ولعل أكبر التحديات التي كانت تواجه سيرورة التغيير هذه، هو غياب مبدأ الاستمرارية في الإصلاح، وارتباط وتيرته بذهنية المدبر وتصوراته التي قد "لا تتوافق مع من دبَّر قبله ومن سيدبِّر بعده"، وتفاديا لهذا "العائق التدبيري"، أضحى التوجه نحو امتلاك تصور شمولي وقطاعي منسجم ومتكامل، وقابل على تقديم مسارات التنمية في مختلف تجلياتها ولمدى أبعد أو متوسط على الأقل.

وبعدما تبين أننا، وبصريح العبارة، لم نكن نتوفر على مشروع مجتمعي واضح، نظرا لتراكم الهفوات الكامنة في حصيلة ونتائج التنمية، وأن الإصلاح يقتضي الاعتراف أولا بعدم قدرتنا على السير قدما دون الوقوف مليا وإعادة ترتيب ملفاتنا وفق الأولويات، و"إمتلاك جرأة مباشرة للواقع ودون التعالي عليه" أسوة بالتعابير المتضمنة في خطابات جلالة الملك.

ومن أجل هذا الغرض، جاء النموذج التنموي الجديد، كمشروع مجتمعي وضعت معالمه لجنة وطنية مشهود لأعضائها بالكفاءة والنزاهة والجودة المعرفية والمنهجية والغيرة الوطنية، ونلح على الغيرة الوطنية، "لأن من لا يحب الوطن لا يستطيع أن يعطيه". لذا، كان النموذج طموحا وطنيا، رصد خطوات إنجازه أراء ومواقف وتوجهات مختلف المؤسسات الحيوية وجل الفاعلين في الشأن العام.

وما يبرر ضرورة إحداث هذا النموذج التنموي إلى جانب تلك التي أقرها التقرير العام( أبريل 2021)،  مبررات عدة أهمها:

- ضرورة امتلاك رؤية شمولية ومتكاملة للقطاعات التنموية من أجل مغرب يليق بالحاضر والمستقبل،

- إعادة بناء النسيج المؤسساتي وفق الأولويات التي لابد أن تصب في صميم تأسيس دولة اجتماعية تؤمن بالمواطن كأولوية لا محيد عنها،

- تدارك التغيرات الإقليمية والدولية والعمل داخليا من أجل خلق مغرب قوي وقادر على الرقي بمكانته في خضم التحديات الجديدة،

- التخلص من الإصلاحات الآنية واللحظية التي تحكمها "المزاجية" والتعديلات المتسارعة دون تقييم المنجز   ومعرفة موطن الخلل التدبيري قبل المرور إلى تقديم البديل،

وأمام هذه التداعيات التي لابد أن تكون، حافزا مستمرا من أجل تفعيل طموحات التقرير، وحتى لا يكون النموذج الجديد مجرد تمرة مجهود تتوقف صلاحيته عند النشر، وحتى يكون فعلا في مستوى الجرأة التي دعى إليها صاحب الجلالة، لابد من :

- إعداد موارد بشرية مؤهلة لتفعيل النموذج، وهذا يحتاج "ضخ دماء جديدة" في العديد من القطاعات والمؤسسات التي ظلت تؤمن بالتسيير المبني على الأشخاص وليس على الكفاءات والقدرات التي لابد أن تخضع لتطور مستمر لأن النموذج الجديد هو نموذج يقتضي الديمومة والتغير المستمرين في القدرات والكفاءات والليونة flexibilitéالممزوجة بالصرامة،

- توفير أرضية إصلاحية مناسبة، مفعمة بروح المبادرة، ولن يتأتى ذلك دون تغيير الترسانة القانونية القديمة، والتي ظلت "تحنط" الفعل المهني" في سلوك روتيني يومي يكرس الرتابة وإستسلام "الموظف" لعمل ينتظر من خلاله نهاية ساعة العمل، نحو فاعل ترابي مبادر وقادر على إحداث التغيير في المجال الذي ينتمي إليه،

- إعادة هيكلة البناء الكلي للأحزاب السياسية باعتبارها مصدر القوى المدبرة للشأن المحلي، حتى يتسنى لها فعلا تبوُّء مكانة المؤسسات العمومية الناتجة للنخب، ولن يكون ذلك دون تغيير النظرة الداخلية والتخلص من ثقافة الرجل/ الحزب نحو أحزاب منفتحة على كل الفئات، ويكون المعيار هو الكفاءة بدل أنماط الحظوة المعروفة إلى حدود اليوم،

وإن كانت المداخل أعلاه، مجرد منطلقات لمشاريع مجتمعية، تستحق بدورها العمل في أوراش كبرى تخضع باستمرار لجرأة متتالية من أجل خلق مؤسسات قادرة فعلا على أجرأة النموذج التنموي الجديد والعمل على تحقيق طموحاته، فنكرر ما سلف ذكره، فالشرط/ المنطلق هو وجود أناس يمتلكون كل الغيرة على الدفاع عن مسار هذا الطموح الوطني، والعمل بحب لا يأبه بالمقابل من أجل وطن ينجح باستمرار مهما كانت التحديات.

 

 

 

Langue
Arabe
Région
Rabat - Salé - Kénitra
Partager sur :