السينما في خدمة التراث: مسلسل "الخطابة" نموذجاً لإحياءه و تثمين الجلابة البزيوية

مراسلة البكراوي المصطفى البزيوي.
في زمن تتسارع فيه العولمة وتذوب الخصوصيات الثقافية و تندثر ، تبرز السينما كوسيلة قوية قادرة على حماية التراث اللامادي وإعادة تقديمه للأجيال المعاصرة في حلة جديدة .
و مسلسل "الخطابة" لمخرجه عبد الله فركوس الذي اقتبس بعض مشاهده من تراث "الجلابة البزيوية"، يمثل تجربة فنية جديرة بالتوقف عندها، لفهم كيف يمكن للصورة السينمائية و السرد المرئي أن يخدما الذاكرة الجماعية ويصونا الهوية المحلية.
فالجلباب البزيوي شكل عبر التاريخ برقته و أناقته و تصميم نقوشه الدقيقة و دلالاته الرمزية تراثا ثقافيا حيا صمد أمام عواصف الموضة و الحداثة ليحافظ على مكانته كأبرز رموز اللباس المغربي الأصيل بل و اللباس الوطني بامتياز و تعبيراً عن الهوية الاجتماعية، والمكانة، والانتماء .
إن إدراج الجلباب البزيوي ضمن عمل سينمائي ليس مجرد تزيين و تأتيت للمشهد، بل هو خلق لحوار بين الماضي والحاضر. فحين يظهر الجلباب في مشهد مفتاحي، أو يرتديه ممثل شهير في فيلم ناجح، فإنه يكتسب روحا و حياة جديدة. يتحول من مجرد لباس إلى حامل لمعاني : الهوية، الأصالة، الانتماء، والتميز المغربي.
والتجارب الدولية قدمت أمثلة ملهِمة في هذا المضمار يكفي أن نتذكر كيف ساهم فيلم "Braveheart" في إحياء اللباس التقليدي الاسكتلندي، أو كيف أطلقت السينما الكورية موجة الاهتمام العالمية بالـ"هانبوك"..... فلماذا لا يكون الجلباب البزيوي قصتنا الملهمة القادمة؟
إن نجاح هذه الرؤية يقتضي مقاربة متكاملة: عمل سينمائي جاد يختار الجلباب البزيوي جزءًا من هويته البصرية، مصحوبًا بتسويق ذكي ومواكبة إعلامية و النتيجة لن تقتصر على الترويج للمنتوج التقليدي، بل ستنعكس إيجابًا على بلدة ابزو كلها، من خلال جذب السياح، إحياء الورشات الحرفية و انتعاشتها، وفتح آفاق تسويق واعدة واسعة.....
إنه زمن يلتقي فيه الإبداع بالتنمية. والجلباب البزيوي، بأصالته العريقة العميقة ينتظر فقط عدسة كاميرا تحكي للعالم قصته الملهمة .
ومما يميز مسلسل "الخطابة"، هو حرصه على تقديم الجلابة البزيوية ضمن سياقها الاجتماعي الحقيقي، مع تسليط الضوء على تقنيات صناعتها و طقوسها الموازية و دلالاتها الرمزية، مما سيعطي للعمل مصداقية ويكسبه غنى بصرياً وشعوراً بالانتماء.
نتمنى أن تفتح التجربة التي يقدمها مسلسل "الخطابة" الباب أمام صنّاع السينما المغاربة للتفكير بشكل واسع في كيفية استثمار التراث الوطني بمختلف تجلياته: لباساً، موسيقى، طقوساً، وحرفاً.... ففي زمن تتهدد فيه الهويات المحلية بالذوبان و النكوص تظل الكاميرا قادرة على أن تكون حليفا ثقافياً ناعماً، يحكي، يوثق، ويصون كل موروث ذي أصول.